الأربعاء، 9 يوليو 2025

رواية المنزل: الفصل الثاني والخمسون والأخير - ءَالَآء طارق

رواية المنزل: الفصل السابع والعشرون - ءَالَآء طارق

رواية المنزل

 ءَالَآء طارق

الفصل الثاني والخمسون والأخير

المزيكا انهاردة من أحب الأغاني ليا "ليلة حب". غناء "أم كلثومألحان "محمد عبدالوهابوالكلمات الرقيقة "أحمد شفيق كامل

يا اللى عمرك ما خلفت معاد فى عمرك

الليلادى غبت ليه حيرنى امرك

اخرك أيه عنى

مُستحيل الدنيا عنى تأخرك

بالأمل مستنى

سهران تجينى يا حياتى و اسهرك

***

فضلاً، متنسوش الvote.

متنسوش تتابعوني على الانستا واليوتيوب والتيكتوك.

instagram: alaatareks

TikTok: alaatareks

YouTube: alaatareks

شعرت بالسعادة تغمر قلبها، رائحتهم الجميلة أعادت لها دفء أيام مضت.. كم اشتاقت إليهم، إلى ضحكاتهم، إلى لمستهم.

انحنت على ركبتيها واحتضنت الصغار الذين تشبثوا بها بحنان وكأنهم كانوا ينتظرون هذا اللقاء منذ وقت طويل. رفعت رأسها فرأت فرح تحمل ماريا الصغيرة، التي كانت تتأمل المكان من حولها بفضول بريء.

ابتسمت فرح لسالي واقتربت منها، فمدت سالي يديها نحو ماريا، وحين أمسكتها، ابتسمت الصغيرة لها بخجل ودفء. شهقت سالي بخفة:

"إنها تتذكرني..." همست، وقد اغرورقت عيناها بالدموع.

كانت السيدة منى وذكية تقفان خلف الأطفال، تراقبان المشهد بعينين دامعتين. تقدمت ذكية نحو سالي، واحتضنتها بكل حب ودفء.

لم تقل سالي شيئًا... لكنها للمرة الأولى منذ رحيل والدتها، شعرت أن هناك من يعيد لم شتات قلبها.

نظرت إليهم سالي بعيون دامعة، وابتسامة مرتجفة ترتسم على وجهها:

"لقد اشتقت إليكم جميعًا."

اقتربت منها السيدة منى، وفتحت ذراعيها لتضمها بحنانٍ دافئ، ثم همست قُرب أذنها:

"أعتذر عن عدم تواجدي بقربك في هذه الأيام... كان الصغار مسؤوليتي."

هزّت سالي رأسها برفق، وعيناها لا تكفان عن البكاء، وقالت بصوت متعب لكنه صادق:

"لا بأس... أنا لست حزينة، فقط... متأثرة."

ضمتها منى من جديد وكأنها تحاول أن تطمئن قلبها، ثم قالت بنبرة حنونة:

"المنزل يشتاق إليك يا دكتورة."

لم تحتمل سالي هذا الكم من المشاعر، فانهارت بالبكاء في صدرها:

"وأنا أيضًا... اشتقت إليكم"

ربّتت منى على ظهرها، تهدئها بصمتٍ أمومي، حتى ابتعدت سالي قليلًا، ولفت نظرها الباب المفتوح والذي يدخل منه الأولاد، تقدّمت نحو باب الشقة بفضول ونظرت لتتفحص الخارج وقالت:

"أنتم فقط؟"

وما إن أنهت كلماتها حتى ظهر محمود واقفًا عند عتبة الباب، يبتسم بثقة ويعدّل نظارته كعادته، ثم قال بنبرة مرحة:

"أنا يا دكتورة... أأستطيع الدخول؟"

ضحكت سالي وسط دموعها، وأومأت برأسها:

"بالتأكيد، تفضل."

لكن فضولها لم يهدأ، فمدّت رأسها مرة أخرى خارج الباب، تتلفت بعينيها وكأنها تبحث عن شيء أو شخص، ثم سألت بخفوت:

"هل من أحد آخر؟"

اقتربت فرح منها بخفة وهي تتصنّع البراءة وقالت:

"مثل من؟"

كانت نظراتها المراهقة خبيثة، تحمل شيئًا من المزاح وكثيرًا من التلميح، ما جعل سالي تشعر بالارتباك. لكن حسن قطع التوتر بهدوء، وهو يرمق فرح بنظرة حادة باردة:

"لا، نحن فقط."

سكتت سالي، وشعرت بمشاعر مختلطة من اليأس والاشتياق.

كان لقاؤها بهم عاطفيًا، مليئًا بالضحكات والدموع والأحاديث، وصخب الأطفال الذين ملأوا أرجاء المبنى بحركتهم وصوت لعبهم. استمعت سالي إلى ما فاتها من أخبار في غيابها. الأطفال عادوا للعيش مع خالد، لكن الوزارة ما تزال تفرض رقابة مشددة. أما حسن، فقد خسر البطولة، إلا أنه قرر خوضها مجددًا بعزم على الفوز بالمركز الأول.

طبيبة جديدة تعمل الآن في المنزل. فرح تم اختيارها لتكون المغنية في فرقة المدرسة الجديدة، وكان من المقرر إقامة حفلة قريبة بمناسبة العام الدراسي الجديد. أما رحيم، فقد انضم إلى إحدى الفرق الناشئة كعازف كمان، ونور قُبلت في مدرسة متخصصة في فنون الطهي. أميرة ما تزال تخضع للعلاج النفسي. أما قطة عبد الله، فقد أنجبت ثلاث قطط صغيرة: اثنتان بلون ذهبي، وواحدة بلون رمادي.

كانت العلاقة بين منى وحسن تتطور بهدوء. لم تكن عميقة، لكنها تنمو ببطء، ما أوحى لسالي بأن الأيام قد تحمل جديدًا في هذا الشأن.

أما الشخص الأهم في العائلة، فلم يذكره أحد. بدا وكأنهم يتجنبون الحديث عنه، لكن سالي علمت أن هناك افتتاحًا قريبًا للمكتبة، حدثًا كبيرًا سيحضره الوزير وتغطيه الصحافة. شعرت بالرهبة حين استمعت إلى التفاصيل من محمود، إذ بدا أن المشروع بالفعل قد بلغ مرحلة متقدمة من الأهمية.

وانتابها الفضول لرؤية المكتبة، إذ كانت المرة الوحيدة التي رأتها فيها وهي لم تكتمل بعد، وكانت حينها في ظل ظروف مرض أنيسة.

قالت فرح بحماس:

"ستأتين إلى حفلة المدرسة، أليس كذلك؟"

ترددت سالي قليلًا، لكن منى تدخلت قائلة:

"تعالي يا دكتورة، فرح ستغني لأول مرة على المسرح، كلنا سنكون هناك لتشجيعها."

وأضافت زينة برجاء:

"لنذهب يا سالي، أرجوكِلم نفعل شيئًا كهذا منذ وفاة ماما."

قالت سالي بتردد:

"ولكن..."

قاطعتها فرح بيأس:

"ولكن ماذا؟ ليست لديكِ حجةزينة وافقت، ما هي حجتك؟"

هو كان حجتها. سيكون أول الحاضرين في حفلة فرح، وهي كانت تشعر بالرهبة من لقائه بعد هذه المدة الطويلة. كانت تخشى أن يشعل اللقاء مشاعرها من جديد، وأن يعيدها إلى نقطة لا تستطيع بعدها الرحيل بسهولة. لكنها، ومع إصرار الجميع، اضطرت للموافقة، وبدأت تعد في قلبها الأيام المتبقية حتى موعد الحفلة.

تلك الزيارة المفاجئة كانت هدية من الله لقلب سالي الحزين. كانت متأكدة أنه هو من رتب كل شيء، لكنه لم يظهر. ومع ذلك، شعرت بوجوده.

رغم امتنانها، كانت مضطربة. ظلت تسير في غرفتها بتوتر، لا تعرف ما تفعل، ولا كيف تعبّر. هذا الرجل، في كل مرة، يدفعها للشعور بالارتباك والضعف. فتحت هاتفها، وتأملت اسمه المحفوظ فيه. حاولت أن تكتب رسالة، مجرد كلمات بسيطة... 'شكرًا'، أو 'لماذا لم تأت معهم؟'، أو حتى 'كيف حالك؟'

لكنها كانت تكتب وتمسح. مرة بعد مرة. الكلمات كثيرة، لكنها عاجزة عن اختيار أبسطها. كأن اللغة خانتها أمام شعور لم تفهمه بعد.

ظلّت سالي على حالها في الأيام التالية، والحيرة تتفاقم في قلبها يومًا بعد يوم. حتى جاء يوم الحفلة، وجاء والدهم ليصطحبهم. طوال الطريق، كانت سالي شاردة الذهن، تتابع أحاديث والدها وزينة دون أن تشارك. تأملتهما للحظات، لكن عقلها سرعان ما غاص مجددًا في عالمه المليء بالتساؤلات.

دخلت سالي القاعة الخاصة بمدرسة الأطفال، واختارت مقعدًا في ركن بعيد وهادئ. كانت من أوائل الحاضرين، والمكان لا يزال شبه خالٍ. كانت ضربات قلبها تتسارع كلما فُتح الباب، وكأنها تنتظر شيئًا لا تعرف إن كانت تريده حقًا. أرسلت رسالة قصيرة إلى فرح تخبرها بأنها وصلت، فلم تمر لحظات حتى خرجت فرح من خلف الكواليس وهي ترتدي زيًا تراثيًا لافتًا. تفاجأت سالي وابتسمت، فقالت فرح وهي تضحك:

"إنها مفاجأة."

ضمّتها سالي بحنان، وشجّعتها ببعض الكلمات قبل أن تتركها وتعود إلى مقعدها المنعزل.

وفي كل مرة يُفتح فيها باب القاعة، كانت تشعر برجفة في قلبها، تتساءل: 'هل هو؟' لكن الوجوه كانت دومًا مختلفة. ومع مرور الوقت، بدأت القاعة تمتلئ شيئًا فشيئًا... حتى سمعت فجأة أصواتًا مألوفة تترافق مع جلبة وضحكات قادمة من الخارج.

التفتت تلقائيًا، وقلبها يسبقها، لترى الأطفال يدخلون... كانوا هناك.

ورأته يدخل خلف الأطفال... إنه خالد.

تسارعت دقات قلبها فجأة، فاستدارت بسرعة ووجهها يشتعل، وضعت يدها على صدرها وأخذت تتنفس ببطء محاولة تهدئة نفسها، ثم وضعت كفّيها على وجنتيها المتقدتين:

"اهدئي يا سالي... اهدئي." همست لنفسها.

نخزتها زينة بخفة ونظرت إليها بابتسامة مرحة، لكن سالي أشاحت بوجهها، وأخذت تعبث بهاتفها في محاولة لتشتيت تفكيرها، وحمدت الله أن المقاعد من حولها قد امتلأت بالناس، مؤجلة بذلك اللقاء المحتوم.

مضت دقائق طويلة، ثقيلة، حتى خفتت الأضواء فجأة. انتبهت سالي بجميع حواسها إلى خشبة المسرح، كانت الأجواء سحرية، وصوت الموسيقى التراثية ينساب في القاعة كحلم. كانت مسرحية غنائية.

تابعت سالي القصة بعينين تتسعان دهشة، لقد كانت قصة قطر الندى 'أسماء بنت أحمد بن طولون'، تلك الحكاية التي روتها يوماً لفرح. وفي اللحظة المنتظرة، ظهرت فرح على المسرح... تغني.

كانت المغنية الرئيسة في موكب زفاف قطر الندى إلى عريسها. نظرت سالي إليها والدموع تترقرق في عينيها، وابتسامة دافئة تتسع على وجهها، ابتسامة فخر، ودهشة.

وللحظات... تخيّلت سالي أنها هي من تغنّي، لا فرح. رأت نفسها واقفة على خشبة المسرح، الأضواء تسلط عليها، وصوتها يملأ القاعة. أحلامها القديمة التي دفنتها تحت ركام السنوات، عادت تطفو على السطح دون استئذان، تطرق قلبها برفقٍ موجع.

الحنه ياحنه ياحنه يا قطر الندا... يا شباك حبيبي ياعيني جلاب الهوا

لا لا لا الصبر ده حاجة محاله... يا أروح له يا أقوله تعالا

لو يطلب مني العين... راح أقوله خد الاتنين

وتحني الليالي فرحتنا سوا... وأفرش له ضفايري ياعيني على شط الهوا

يا قمرنا ياهاجرنا الحب يا جارنا امرنا... تخاصمنا ونصالحك ونكمل سوا مشوارنا

وان بعدت بينا بلاد نخلق للحب معاد... ونقول لليالي ضمينا سوا

وأخبيك فى عيني ياعيني من نسمة هوا... أستنى وأستنى لما تفوت على بستاننا

وتصبح و تمسي تطلب مفتاح الجنه... وأهديك شال الافراح

مليان ورد وتفاح... والفرحه الكبيره نقسمها سوا

و أتوه بين حبيبي ياعيني والليل و الهوا...

الحنة يا حنه ياحنه يا قطر الندا... يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوا

استفاقت على صوت الستارة تُغلق، وصوت التصفيق يعلو من كل جانب. كان صوت فرح جميلاً بحق، والغناء ساحرًا ومتقنًا. كما أن القصة كانت عذبة، والتنفيذ مدهشًا، والموسيقى والكورال في غاية الاحتراف.

صفق الجميع بحرارة. وشاركتهم سالي التصفق بفخر، وعينيها معلّقتان بفرح التي وقفت على خشبة المسرح إلى جانب زملائها تحيي الجمهور. كانت الفتاة مشروع نجمة حقيقية.

فرح... تلك اليتيمة الصغيرة، أصبحت الآن نموذجًا حيًا يثبت أن اليتيم، إن وُضع في بيئة آمنة، وتلقى رعاية حانية وتعليمًا جيدًا، يستطيع أن يصبح أفضل نسخة من نفسه.

الأيتام لا مكان لهم في الشوارع ولا في الدور المتهالكة حيث يتلقون أسوأ معاملة لا تليق بكرامة الإنسان. بل مكانهم في بيوت دافئة، أو دورٍ لائقة، تمنحهم الحب والأمان والعلم.

رفعت سالي عينيها إلى السماء، وشكرت أنيسة في قلبها... تلك المرأة التي جمعت هؤلاء الصغار تحت جناحها، وسعت لتقديمهم للعالم في أجمل صورة، تليق بطفولتهم، بإنسانيتهم. وهذا هو ما يستحقه كل طفل يتيم... أن يُعامل كإنسان قبل أي شيء.

خرجت سالي من القاعة إلى ساحة المدرسة التي كانت تعجّ بالحركة والوجوه المبتهجة. هناك، رأت جميع الأطفال، وما إن وقعت أعينهم عليها حتى ركضوا نحوها وتعلّقوا بها بحب. كان بينهم خالد ومحمود والسيدة منى، يراقبون المشهد بابتسامة.

اقتربت منها فرح، ما زالت ترتدي زيّ المسرحية التراثي، وقالت بحماس:

"ما رأيك في أدائي؟ أنا من اقترحت القصة والفكرة على المعلمة!"

احتضنتها سالي بدفء وابتسامة واسعة:

"كنتِ رائعة يا فرح... أنا فخورة بك."

تدخل حسن:

"ولكنكِ لم تكوني البطلة."

نظرت فرح إليه ببرود وقالت بثقة:

"لا يهم، أدائي كان الأفضل."

ضحكت سالي وقالت بلطف:

"كفّ عن مضايقتها يا حسن."

ابتعد الفتى وهو يتمتم:

"أنا فقط أقول الحقيقة."

استمرت سالي في الحديث مع الأطفال، تبادلت الضحكات والمزاح، حتى شعرت بظلٍ يقف إلى جانبها. التفتت تلقائيًا... فرأته. خالد. كان يتحدث قبل لحظات مع والدها، والآن يقف بجوارها بهدوء.

وفي لحظة صامتة، وكأن بينهم جميعًا لغة خفية لا تُقال، تراجع الأطفال واحدًا تلو الآخر، وانسحبوا برقة، حتى زينة نفسها... رافقت الصغار مع السيدة منى، وتركتهما وحدهما.

التفتت إليه، وعيناها تتنقلان بين وجهه والأرض بخجلٍ واضح. أما هو، فكانت نظراته صريحة، واضحة، لا تختبئ خلف المجاملة. قال بصوت دافئ:

"كيف حالك؟"

أجابت سالي وهي تتجنب عينيه الصادقتين:

"بخير... وأنت؟"

قال بابتسامة خفيفة، وترك الجملة مفتوحة:

"كما ترين."

لم يُفسّر، وكأنه يترك لها وحدها مهمة قراءة ما بين السطور. هكذا هو دومًا.. يربكها بجمله الناقصة وكلماته التي تفتح أبواب التأويل.

سكن الصمت بينهما للحظات. شعرت به خانقًا، فحاولت كسره قائلة:

"ما رأيك في فرح؟ كانت جميلة، أليس كذلك؟"

"بالفعل... كانت جميلة."

تنفست سالي بعمق، محاولة تهدئة نبضات قلبها المتسارعة، لكنها شعرت أن نبرة صوته تخفي شيئًا.

سألها بهدوء:

"وماذا تفعلين الآن؟"

أجابت:

"كما أنا، أعمل في المستشفى."

"هل أنتِ سعيدة؟"

ترددت قليلًا، ثم قالت:

"مرتاحة."

هزّ رأسه، كأن الإجابة لا تُرضيه تمامًا، ثم قال:

"جيد."

وصمت لحظة قبل أن يسأل:

"وماذا عن العودة إلى المنزل؟"

رفعت نظرها إليه بدهشة، لم تتوقع أن يكون ذلك ما زال في باله، بعد كل هذا الوقت. نظرت إليه باعتذار صامت، وقالت:

"لا أعتقد أن الأمر سيكون سهلاً هذه المرة... كما أنني سمعت أن هناك طبيبة جديدة؟"

قال بهدوء، كأنما يؤكد لا يشرح:

"رحلت."

نظرت إليه باستغراب:

"رحلت؟ لماذا؟"

"هكذا جرت الأمور... لم أشعر أنها جيدة بما يكفي."

قالها بنبرة غامضة كعادته.

"آه..." تمتمت سالي.

ثم نظر إليها، بنبرة خافتة ولكنها مباشرة:

"إذاً؟"

أجابت، بعد لحظة من التردد:

"أعتذر... لكن لا أظن أنني أستطيع العودة."

صمت لحظة، ثم قال بهدوء عميق:

"إذاً... عودي بشكل آخر."

مالت سالي برأسها في استفهام، لكنها لم تكد تنطق حتى سمعا صوت سيارة تقترب. التفتا معًا، ليجدا الأطفال يشيرون إليهما وينادون بصوتٍ عالٍ:

"السيارة وصلت!"

نظرت سالي إلى خالد وقالت بلطف:

"الأطفال ينتظرون."

أومأ برأسه، ثم قال، بنبرة هادئة يكسوها حنين:

"آه... متى سأراكِ مرة أخرى؟... سنراكِ جميعًا، الأطفال يشتاقون إليكِ."

ابتسمت سالي بمحبة صادقة:

"سأزوركم من حين لآخر."

مد خالد يده لمصافحتها، فمدّت يدها بدورها، وأحاط يدها الكبيرة بيده الدافئة، ثم قال بصوتٍ خافت:

"سننتظرك... جميعًا."

رفعت سالي رأسها ونظرت إلى عينيه مباشرة لأول مرة منذ زمن، وهناك... قرأت كل ما لم يُقل. قرأت الحنين، والشوق، والرجاء المكتوم. فقالت بصوت ناعم:

"نعم..."

سحبا أيديهما بهدوء، ولكن قلوبهما ظلت معلّقة.

جاءت زينة من الخلف قائلة:

"سالي، بابا وصل... هيا بنا."

وعند موقف السيارات، تحدث خالد مع والدها بصوت منخفض. فتركتهما سالي وذهبت إلى الأطفال لتودّعهم.

ركضت إليها لارا قائلة:

"سالي، ألا تأتين معنا؟"

أجابت سالي وهي تجثو لتكون في مستواها:

"حبيبتي، سأزوركم كثيرًا."

لكن لارا تمسكت برأيها:

"لكننا نريدك أن تكوني معنا دائمًا."

تجاهلت الجملة البريئة، وأشاحت بوجهها نحو حسن وقالت:

"ابقَوا على تواصل معي يا حسن."

ثم مضت إلى السيارة، وجلست بجوار شقيقتها، التي قالت وهي تراقب والدها وخالد يتحدثان:

"عن ماذا يتحادثان؟"

أجابت سالي سريعًا:

"لا أريد أن أعرف، ولا تسألي بابا."

"سالي، لماذا تفعلين ذلك؟ مستر خالد رجل طيب."

"قلت لا أريد الحديث في هذا الموضوع."

"حسنًا، كما تشائين..."

لكن المفاجأة كانت أن والدها، حين ركب السيارة، لم يسألها عن شيء، بل اكتفى بقوله:

"الحفلة كانت جميلة، أليس كذلك؟"

ابتسمت سالي وقالت:

"جميلة جدًا..."

تمتم والدها قائلاً:

"هذا جيد".

كان اليوم رائعًا بكل تفاصيله، يوماً ترك أثره العميق في قلبها، يوماً لم تفارقه الذكرى أبداً... لكنها لم تكن تعلم أن الأيام القادمة تخبئ لها مفاجآت أجمل من أن تتخيل.

***

في اليوم التالي زارها والدها، وبينما كانت سالي في المطبخ تحضر له مشروب، سمعت صوت والدها وزينة يرحبان بشخص ما عند الباب. لم تهتم كثيرًا في البداية، إلى أن سمعت صوتًا مألوفًا... ذاك الصوت الذي حفظته بقلبها قبل أذنها.

توقف الزمن للحظة. إنه هو... خالد.

شعرت سالي بتسارع نبضات قلبها، وارتباك غريب اجتاح جسدها، تحركت ببطء واقتربت من الباب، فتحت جزءًا بسيطًا منه وسمعت ما لم تكن تتوقعه. كان والدها يتحدث بفخر، وخالد يجيبه بصوت هادئ ولكن حازم:

"سيدي. انا أطلب يد سالي، رسميًا هذه المرة."

كادت ساقاها تتهاويان من الدهشة. أغلقت الباب بهدوء وسندت جبهتها إليه، كانت تحاول أن تلتقط أنفاسها، أن تفهم، أن تستوعب.

خرجت سالي بعد دقائق، وعلى وجهها ارتباك واضح لا تحاول إخفاءه. التقت عيناها بعيني خالد، وتلك النظرة فقط... كانت كفيلة بأن تقول لها كل شيء.

كان صوت والدها هادئًا، وهو يقول:

"سالي... مستر خالد يطلب يدك. ما رأيك؟"

شعرت سالي بارتباك مفاجئ، لم تكن تتوقع أن يُطرح عليها هذا السؤال بهذه الطريقة المباشرة. قبل أن تنطق بكلمة، تدخل خالد قائلاً:

"لا بأس إن لم ترغبي في الإجابة الآن... خذي وقتك وفكّري. فقط... أتمنى أن أعرف ردك قبل افتتاح المكتبة الأسبوع القادم، أود أن تكوني بجواري يومها... بصفة رسمية."

رفعت سالي نظرها إليه بدهشة، لم تكن تتوقع حديثًا بهذا الوضوح، ثم نظرت إلى والدها الذي التزم الصمت، كأن الأمر كله صار في يدها، وحدها.

قالت بتردد:

"لكن... ما حدث من قبل؟"

قاطعها خالد برقة:

"سالي... ما حدث كان بيني وبين والدك، لا تدعيه يؤثر على قرارك، أنا أريدك... لا شيء آخر يهمني."

نهض والدها بهدوء، تاركًا الغرفة دون كلمة، كأنما شعر أن ما سيقال الآن، لا يُقال أمام أحد. بقي خالد وسالي وحدهما، ولأول مرة منذ زمن طويل... لم يكن بينهما حاجز.

قال خالد وقد استقام في جلسته، ونظر إليها نظرة صادقة:

"سالي، أنا أحبك. منذ وقت طويل."

تجمدت نظراتها، وتشبثت كلماته بقلبها، أكمل:

"مررنا بالكثير من المواقف، ومع كل واحدة منها كان يزداد يقيني أنك المرأة التي أرغب في أن تشاركني حياتي. في البداية شعرت بالخوف، خشيت أن أحمّلك عبء مسؤولية الأطفال، وهي مسؤولية كبيرة، ولم أشأ أن أزجّ بك في حياة شاقة مليئة بالتحديات. كما خشيت من مشاعري تجاهك... لذا كنت قاسيًا أحيانًا، أحاول إبعادك، في حين أن قلبي كان يشتاق إليك. وكلما ابتعدتُ، ازددتُ ارتباطًا بك. حتى تغلّب الشوق على الخوف، واتخذت قراري بأن أواجه كل شيء من أجلك، حتى لو اضطررت إلى تحمّل كل الأعباء وحدي، فلا يهمّ... المهم أن تكوني بجواري."

تنهد بمرارة قبل أن يهمس بصوت خفيض:

"وحين جاءت اللحظة التي رغبت فيها أن أبوح لكِ بكل شيء، كنتُ قد ارتكبت في حقك خطأً جسيمًا... وما زلتُ أعتذر عنه من أعماق قلبي."

أطرق برأسه لحظة قصيرة، ثم رفع عينيه نحوها:

"حاولت نسيانك مرارًا، لكن الألم كان يلاحقني كل ليلة. وعندما رأيتكِ في المحكمة، أدركت كم كنت أحمق حين تركتك ترحلين. في تلك اللحظة، لم أعد أملك نفسي... أخذت أركض في أرجاء المحكمة كالمجنون، أبحث عنكِ في كل مكان... حتى جاءني اتصال والدك، يخبرني أن والدتكِ قد فارقت الحياة."

ارتجف صوته قليلًا، وتباطأت أنفاسه، ثم أكمل:

"رأيتكِ حينها... كنتِ منكسرة، كنتِ مهزومة من الداخل، تنزفين. أردتُ أن أقترب، أن أمد يدي إليكِ، لكنني لم أستطع... خفتُ أن أزيدكِ وجعًا، أو أن أحطمك أكثر. كنتِ تمرين بامتحان قاسٍ، وكنتِ أثمن عندي من أن أسمح لنفسي بأن أكون عبئًا عليكِ في تلك اللحظة."

تنهد بصوت مبحوح، ونظر بعيدًا، كأن الذكرى أوجعت قلبه:

"سالي... لقد كنتُ مثلك. مررتُ بتجربة مشابهة، أفهم ماذا يعني أن يفقد الإنسان جزءًا من روحه. ولكن عندما وقعت تلك الكارثة، شعرت أنني لا أستحق أن أكون إلى جانبك، لأنني ببساطة كنت أحد أسباب ألمك."

خفض صوته، وكأن كل كلمة تنزف من قلبه:

"لم يكن غيابي عنك لقلّة حب، بل لأنني كنت أحبك كثيرًا. وكنتُ عاجزًا... عاجزًا عن أن أكون السند الذي تحتاجينه."

ثم رفع عينيه إليها، وقال بصدق عميق:

"كما كنتِ إلى جانبي في محنتي، رغبتُ أن أبقى إلى جانبك... لكنني لم أستطع. وكم تألمتُ لذلك. لا تتخيّلين كم كان يوجعني أن تكون من أحبّ... ولا أملك حتى أن أواسيها."

صمت لحظة، وخفض صوته، ثم تابع:

"كنت أرغب أن أقول لكِ إنكِ لستِ وحدك، أن أكون إلى جوارك، لكنني لم أجرؤ. اكتفيتُ بالجلوس قربك، صامتًا، أراقبك تنامين... وكان ذلك كافيًا لي حينها."

ثم أضاف، بصوت خافتٍ لكنه حازم:

"لكن الآن... لم يعد ذلك يكفيني. الآن، أريدك قريبة... إلى جواري، دائمًا."

كان صوت خالد هادئًا، صادقًا، يحمل من المشاعر ما لا يمكن تجاهله. وكلماته انسابت إلى قلب سالي كنسيم دافئ يذيب جليد الأيام الماضية.

تأملت سالي وجهه، ملامحه الجادة التي تعرفها جيدًا وقد أصبح فيها اليوم شيء مختلف... شيء حنون، واضح، لا يخشى الاعتراف أو الرجاء.

ظلت صامتة، تتنفس ببطء، وكأنها تعيد ترتيب ما تشتّت داخلها. كان قلبها يضجّ بالكلمات... لكنه خجول، مرتبك، لا يدري من أي شعور يبدأ. شعرت بعينيها تدمعان، لكنها كتمت الدموع في صدرها، لا تريد أن تنهار الآن، ولا تريد أن تبدو ضعيفة، حتى أمام من أحبّها بصدق.

قالت بصوت منخفض:

"خالد... ما قلته كثير... ولكن..."

قاطعها بلطف:

"لا تقولي شيئًا الآن، لا أطلب منك إجابة مستعجلة، خذي وقتك، فكّري كما تشائين... ولكن فقط تذكّري شيئًا واحدًا... أنني اليوم هنا، صادق، واضح، وأريدك إلى جانبي."

سكتت سالي، نظرت إلى يديه الموضوعة أمامه على الطاولة، تذكرت كيف كانت تلك اليد تمسك بيدها في آخر مرة، بنفس الدفء... ثم قالت بهدوء:

"سأفكر، وسأخبرك... قبل الافتتاح."

ابتسم خالد بحب وأجاب:

"سأنتظرك"

غادر خالد، وظلت سالي في مكانها، لا تزال تحاول استيعاب كل ما حدث. كانت مشاعرها متداخلة: شيء من الخجل، بعض الارتباك، وفرح خفي لا تجرؤ حتى على الاعتراف به لنفسها.

نظرت إلى الباب الذي خرج منه، هي تعرف أنها تحبه، بل لعلها لم ترَ في حياتها رجلاً سواه، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن الحب وحده لا يكفي. عليها ألا تُسرع في الرد. هناك أمور كثيرة تحتاج للتفكير... زينة، أختها، ووالدها الذي يدين لخالد بمبلغ كبير، وهي نفسها، مستقبلها، وعملها، وأحلامها.

كل ذلك يجعلها بحاجة لبعض الوقت. لا تريد أن تقول نعم بدافع التأثر، ولا ترفض لمجرد التردد. كانت فقط بحاجة إلى أن تهدأ وتفكر بهدوء، حتى تكون إجابتها نابعة من قناعة، لا من ضغط أو لحظة اندفاع. نعم، قلبها ينبض بالحب، لكنها تحتاج لبعض الوقت... لتفهمه جيدًا، وتفهم نفسها أيضًا.

***

كان خالد رجلاً يتمتع بحسٍّ أخلاقي عالٍ، لم يطلب منها ردًّا أو إجابة، ولم يضغط عليها أبدًا. كل ما فعله هو إرسال رسالة لطيفة كل يوم يطمئن فيها على حالها، ويتحدث عن الأطفال. كانا يتحدثان كصديقين فقط، وقد كان بحق صديقًا لطيفًا.

حاولت سالي الحديث مع زينة، التي لم تُبدِ أي اعتراض على العيش بمفردها أو مع والدهما، الذي رحّب بدوره بالفكرة. ومع ذلك، لم تكن سالي مطمئنة بالكامل. لجأت إلى الدكتور نوفل، الذي شجعها كثيرًا:

"لو كنتِ ابنتي، لكنت وافقت على الفور، بل وشجعتك. لن تجدي رجلًا مثل هذا الرجل. السيدة أنيسة هي من ربّته، وهل هناك أفضل من ذلك؟ وإن أردتِ مساعدتي في العثور على عمل هناك، فقط أخبريني."

أخفضت سالي رأسها بحيرة، فتابع الدكتور نوفل مقترحًا:

"ما رأيكِ في متابعة الدراسات العليا؟ ألا ترغبين في الحصول على درجة الماجستير؟ ربما تكون هذه مرحلة جديدة ومهمة في مسيرتك المهنية. تفرغي لها، واعتبريها بداية جديدة، كما أنكِ ستستطيعين التوفيق بينها وبين الأطفال."

فكّرت سالي في كلماته... كانت واقعية ومقنعة. التفرغ للدراسة قد يسهّل عليها الأمور، فلن تكون مضطرة للذهاب إلى العمل يوميًا. كما أن فكرة دراسة سيكولوجية الأطفال كانت تستهويها منذ فترة. حسنًا، لمَ لا؟

***

مرّ الأسبوع سريعًا، وها قد أتى ذلك اليوم المنتظر... يوم افتتاح المكتبة.

كان خالد قد بلغ حدّ اليأس، فلم تصله من سالي أي إجابة حتى الآن. جلس على سريره، يتأمل السقف بصمت، وعيناه تتنقلان بين الحائط والهاتف، كأنّ في الهاتف إجابة ترفض أن تأتي. طوال الأسبوع كانا يتحدثان ويتواصلان كأصدقاء، ولم يجرؤ على سؤالها مباشرة، وهي لم تفتح الموضوع أبدًا.

تساءل: 'هل كان عليه أن يسألها؟ أم يترك لها المساحة؟'

بقيت خمس ساعات فقط على موعد الحفلة، وكان يريد سماع ردها. لقد أخبرها بوضوح أنه ينتظر جوابها، ليذهبا معًا إلى الحفل... كان من المفترض أن تردّ، على الأقل البارحة. رفع يده إلى الساعة، ثم تنهد بيأس وهو يمسح وجهه بكفّيه.

وفجأة، سمع طرقات سريعة على الباب. نهض بتثاقل، وما إن فتحه حتى وجد ليان تقف أمامه، ترفع رأسها بحماس:

"أبيه! تعال بسرعة!"

رمقها باستغراب وهو يقول بكسل:

"ما الذي تفعلينه يا ليان؟"

قالت الطفلة وهي تلوّح بيدها:

"تعال معي بسرعة! لا تسأل!"

أمسكت بيده الكبيرة تقوده نزولًا على السلالم، حتى بدأت أصوات الجلبة في الطابق السفلي تتضح له شيئًا فشيئًا. في الردهة، رأى زينة شقيقة سالي تقف وتتحدث بحماس مع محمود.

تلقائياًـ بحث بعينيه بين الواقفين... حتى وقعت عيناه عليها. كانت واقفة وظهرها له، شعرها المجعد الطويل ينسدل على ظهرها بنعومة، وتتحدث مع منى وحسن.

رفع حسن رأسه نحوه وهمس:

"أبيه"

التفتت سالي بسرعة، وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة خجلة، مترددة، لكنها صادقة... تلك الابتسامة التي لم تغب عن ذاكرته يومًا.

نزل خالد الدرج بذهول، عيناه لا تفارقها. اقترب منها، وهمس بصوت مذهول:

"كيف... متى... أتيتِ؟"

نظرت سالي حولها بخجلٍ واضح، فبادرت منى بسحب ابنها حسن مبتعدة، تاركة لهما مساحة ليختليا بالحديث. بادرها خالد بنبرةٍ عاتبة يغلفها الحنان:

"لم تخبريني أنك ستأتين... على الأقل كنتُ سأُوصلك بنفسي."

رمقته بنظرة خجولة، وقالت:

"أردتُ أن أجعلها مفاجأة... كما فعلتَ أنت من قبل."

رفع حاجبه باستغراب، وقال:

"مفاجأة؟"

أومأت بخفة، وقالت:

"نعم... ألم ترسل الأطفال لزيارتي دون أن تخبرني؟ ثم أتيتَ فجأةً لتطلب يدي؟"

تأملها لثوانٍ، ثم وضع يده على وجهه متنهدًا، قبل أن يبتسم بسخرية محببة:

"أنتِ لا تتركين دينًا أبدًا، أليس كذلك؟"

ضحكت سالي بخفة، وقالت:

"أبدًا."

اقترب منها قليلًا، وهمس بشوق:

"إذاً... ما هو ردك؟"

أشاحت بنظرها عنه، تنظر إلى كل شيء سواه، وبلغة خجولة قالت:

"ردي؟ على ماذا؟"

ابتسم وهو يقول:

"على سؤالي الأخير... تحديدًا: زواجنا. لا تراوغي، سالي."

ضحكت سالي بخجل وقالت:

"ممم... أنا فقط جئت اليوم... لأ..."

توقف قلبه لوهلة. التردد في صوتها، النظرة المراوغة في عينيها، كل ذلك جعله يحدق بها بترقبٍ يكاد يُفقده أنفاسه.

ثم التفتت إليه، ونظرت في عينيه مباشرة، وقالت بنبرة هادئة وعينين تلمعان:

"لأكون مرافقتك في الحفل."

حدّق بها لحظةً وهو يستوعب المعنى خلف كلماتها، همس بدهشة:

"هذا يعني..."

أومأت برأسها، مؤكدةً بوضوحٍ ناعم.

في تلك اللحظة شعر خالد بشيء كبير يتهاوى عن صدره، كحملٍ ثقيلٍ ظل يجثم على قلبه منذ وفاة أنيسة... وانزاح. سالي... كانت هي من أزاحه. بكلمة واحدة، نظرةٍ واحدة، ردٍ بسيط، استطاعت أن تبث في قلبه حياةً جديدة.

أدرك تمامًا أن قلبه صار بين يديها، وأنها أصبحت تمتلك مفاتيحه بالكامل. كان ذلك مؤلمًا، ولذيذًا في آنٍ واحد. هي تلهو به الآن، بنظراتها وكلماتها، ولكنه سعيد بذلك.

زفر خالد براحة، ولأول مرة منذ زمنٍ طويل، شعر بالأمان.

سالي، وهي تنظر إليه بعينين تلمعان بالصدق، قالت بهدوء:

"أريد أن أضيف شيئًا يا خالد... ولكن ليس هنا. لنتحدث في الدفيئة."

اصطحبها خالد بصمتٍ إلى الدفيئة، التي بدت نباتاتها ذابلة. توقفت سالي عند الباب، تأملتها بدهشة حزينة، ثم التفتت إليه بسؤال صامت، فأجاب بصوت خافت:

"لم أسمح لأحد بدخولها منذ رحيلك... هذا المكان لم يكن يومًا لغير اثنين، أمي، رحمها الله... وأنت. لا أحد سواكما يملك الحق في دخوله."

ابتسمت سالي ابتسامة ممزوجة بالحزن والعرفان، ثم رفعت عينيها إليه وقالت بصوت صادق يخرج من الأعماق:

"خالد، اسمعني جيدًا... كنت أرى العالم من خلف ستار... ومنذ جئت إلى هذا المكان، بدأت تلك الستارة تهتز شيئًا فشيئًا، بسبب ما أثاره الأطفال في قلبي من مشاعر لم أختبرها من قبل، وبسبب السيدة أنيسة، رحمها الله. ثم جئت أنت، وأزحت الستار بالكامل. العالم الآن يبدو لي دافئًا... مفعمًا بصخب الصغار، وضحكاتهم، وبصوتك الذي يثير في نفسي طمأنينة ما كنت أعرفها."

قاطعها برقة:

"سالي..."

فأوقفت كلماته بهمسة:

"لا تقل شيئًا، دعني أكمل، أرجوك. أنا أحبك، أحببتك منذ أن بدأت السيدة أنيسة تحدّثني عنك، رأيتك بعينيها الصادقتين، ثم رأيتك بعيني أنا، واكتشفت فيك رجلاً مختلفًا... رجلاً كانت نظراته تبعث في قلبي سكينة لا توصف.

عزيزي، دعنا نغفر لبعضنا، ونلجأ إلى بعضنا البعض... فلنمنح أنفسنا فرصة لحياة جديدة".

خالد، بصوت متهدج ويد ترتجف من التأثر:

"تزوجيني يا سالي..."

أجابت سالي، بابتسامة باكية:

"أنا أوافق، من كل قلبي، لأصبح جزءًا من هذه العائلة الكبيرة. أنا أحبك يا خالد... وأحب الأطفال جميعًا. مسؤوليتهم ليست عبئًا، بل هي رغبة في قلبي. أنتم جميعًا منحتم حياتي معنى لم أعرفه من قبل. كيف ظننت يومًا أنني سأعاني إن كنت معك؟ أنا سأعاني فقط إن كنت بعيدًا عنك، عنكم جميعًا. أرجوكم، أقبلوني بينكم."

وقبل أن يتكلم، أخرجت سالي من حقيبتها علبة صغيرة، ملفوفة بورق هدايا أنيق، ومدّتها إليه.

أخذها بحيرة، ونظر إليها متسائلًا:

"ما هذه؟"

قالت ببساطة وهي تبتسم:

"هدية."

ثم أضافت، وهي ترفع حاجبيها بتسلية:

"لا تفتحها الآن... انتظر حتى تذهب إلى الحفل."

أومأ بصمت، ووضع العلبة في جيبه، ثم رفع عينيه إليها... ونظر نظرةً حملت كل الامتنان، وكل الحب.

همس:

"إذا الحفلة في التاسعة، كوني جاهزة."

أجابته بابتسامة خفيفة:

"بالتأكيد."

قالتها بهدوء، لكن في قلبها كان وعدٌ صادق، أن تكون في الموعد.

***

فتحت سالي باب الغرفة المهجورة بهدوء شديد. ورغم خلوها من الحركة، بدت الغرفة نظيفة كما لو أن أنيسة ما زالت تمرّ بها كل صباح. استقبلها عطرٌ مألوف، ذلك العطر الذي كانت السيدة أنيسة تضعه باستمرار، فتسلّل إلى أنفها حاملاً في طياته ذكرياتها مع المرأة.

توقّفت للحظة عند العتبة، وأغمضت عينيها. شعرت وكأن أنيسة ما زالت هنا، تجلس على كرسيها، وتبتسم بتلك الابتسامة الراقية اللطيفة.

أضاءت سالي النور ودخلت الغرفة، وهي تسير بخفة. كانت ترتدي فستانًا أزرق ملكيًّا، من قماش ناعم ذي لمعة حريرية خفيفة، ينساب على جسدها بانسيابية حالمة. اتخذ الفستان طابعًا كلاسيكيًا أنيقًا، يضيق عند الخصر، فيُبرز قوامها بنعومة، ثم يتسع تدريجيًا إلى تنورةٍ متوسطة الطول، تصل إلى منتصف الساق، تُضفي عليها حضورًا راقيًا ومتزنًا.

نسّقته مع حذاء بكعب متوسط باللون الفضي، ما أضاف لمسة لامعة متناسقة مع بساطة الفستان. كما جمعت شعرها الطويل الناعم ذي التموجات الخفيفة في تسريحة أنيقة، وتركته ينسدل خلف ظهرها بانسيابية تضيف لمظهرها هدوءًا ورقيًّا لافتاً.

وقفت وسط الغرفة تتأملها، تتنفس بعمق وهي تتذكر الماضي.

كانت تتهيأ لخطوة جديدة في حياتها، بينما ظلّ أنيسة يرافقها بصمت... كما لو أنها جاءت لتودّعها من جديد.

اقتربت سالي بخطوات بطيئة من البرواز الموضوع بعناية على الطاولة الخشبية، تتوسطه صورة أنيسة وهي في خمسيناتها. كانت ملامحها كما عهدتها دائمًا: هادئة، مطمئنة، تحمل في ابتسامتها الحانية شيئًا من الحكمة، وشيئًا من الحنين.

تأملتها سالي طويلاً، وكأنها تحاول أن تحفظ تفاصيل وجهها مرة أخرى، رغم أنها لم تغب عنها يومًا. همست بصوت يكاد يُسمع، ودمعة تلمع في عينيها:

"سيدتي... كيف حالك؟ أتمنى أن تكوني سعيدة... ومرتاحة الآن."

توقفت لحظة، تتأمل ابتسامة أنيسة الثابتة في الصورة، ثم أكملت:

"لقد وافقت... على الزواج من خالد، كما كنتِ تتمنين. أحببته مرتين، مرة لأنني رأيته بعينيكِ... عينيكِ التي لم تكذبا أبدًا، ثم أحببته لأنه هو... رجل طيب، صالح، حنون."

وضعت يدها برفق على البرواز، على وجه أنيسة الغائب، وقالت بابتسامة مرتعشة:

"أشعر بالأمان معه، وهذا يكفيني... أنا أحبه يا ست أنيسة، وقررت أن أكمل حياتي إلى جانبه."

ظلت واقفة لدقائق، صامتة، تسمع صدى كلماتها في الغرفة. لم يجبها أحد، لكن شيئًا في قلبها ارتاح، وكأن أنيسة سمعت، وابتسمت لها من بعيد، راضية مطمئنة.

حدّثتها وكأن صاحبتها لا تزال تجلس هناك، على الكرسي ذاته، تتأمل الزهور وتبتسم.

همست سالي بصوت مبحوح، والدموع تنزلق على وجنتيها بلا استئذان:

"أطمئني يا ست أنيسة... سأكون حريصة عليه، وعلى الأولاد... لا تقلقي بعد اليوم، سأكون لهم كما كنتِ أنتِ لنا جميعًا... حنونة، صبورة، حاضرة دائمًا."

مسحت برقة على البرواز،  ثم أضافت بصوت مختنق:

"وسأعود... سأعود لأرعى دفيئتك، زهورك الجميلة التي أحببتِها... سامحيني لأنني أهملتها، لأنني تركتها من دون رعاية، لكنني أعدك، سأرعاها حتى آخر أيامي."

تنفست بعمق، كأنها تبحث عن القوة، ثم أغمضت عينيها وأردفت:

"كنت أتمنى أن تكوني هنا... أنتِ وماما... لكنني أعلم أنكما ترينني الآن، وتشعران بي..."

توقفت، اختنق صوتها من الحزن، ثم همست أخيرًا وهي تغالب شهقتها:

"أخبري ماما... أنني اشتقت إليها... كثيرًا. وأنني سأتزوج من الرجل الذي أحببته، وأنه رجل صالح كما كانت تتمنى"

ساد الصمت، إلا من صوت تنفسها المرتجف، ونبض قلبها الذي امتلأ بحب غائبين لا يموت، ووفاء لا يتغيّر. تمنت أن تكون أمها هنا بجوارها... ولكنها لم تكن، تمنّت لو تلمس يدها، تسمع صوتها، تشعر بدفء حضنها، لكن كل ما استطاعت فعله هو أن تهمس لتلك الذكرى:

"سأكون بخير، من أجلك."

ثم أغمضت عينيها، وابتسمت وسط دموعها، وهمست:

"كوني فخورة بي."

سمعت سالي صوت فرح يناديها بهدوء:

"سالي؟"

التفتت سالي تمسح دموعها سريعًا، وأجابت بصوت منخفض:

"نعم يا فرح."

تقدّمت فرح بخطى مترددة، وقد ضيّقت عينيها وهي تلاحظ آثار الدموع على وجه سالي، ثم نظرت إلى صورة أنيسة المعلّقة على الجدار، وهمست بحزن:

"لقد اشتقت إليها أنا أيضاً."

وضعت سالي يدها برفق على كتف الفتاة، وزفرت بحنان وقالت:

"لنذهب يا فرح."

نزلت سالي على درجات السلم بحذر، ممسكة بطرف فستانها كي لا تتعثر، وكان الحذاء الفضي يطرق الخشب بلطف. الأضواء تتلألأ من حولها، وأصوات خافتة تتعالى في الطابق الأرضي حيث تجمّع الجميع.

كان خالد واقفًا عند النافذة، يتأمل الخارج في صمت، وحوله الأطفال يهمسون ويتحركون بعفوية

كان خالد واقفًا عند النافذة، يتأمل الخارج في صمت، وحوله الأطفال يهمسون ويتحركون بعفوية. كان صدره يعلو ويهبط من التوتر، ثم التفت فجأة، فوقع نظره عليها وهي تهبط السلم.

كان يرتدي بذلته الرسمية، وقد زُيّنت بلمسة خاصة: المنديل الذي أهدته له في ذلك الصباح، مطويٌّ بأناقة في جيب السترة.

كان الهدية معها بطاقة صغيرة، كُتب عليها بخطٍّ رقيق:

"يُقال إن إهداء المنديل للعريس... علامة على الموافقة."

احتفظ خالد بالبطاقة في جيبه، إلى جوار المنديل، وكأنما يحتفظ بقلبها هناك. كانت تلك اللفتة البسيطة كافية لتملأه يقينًا بأنها اختارته، دون حاجة إلى كلمات.

تأملت سالي الأولاد وهم يبدون في غاية الأناقة ببدلاتهم الرسمية، والبنات وقد تأنّقن بفساتين جميلة تتلألأ أنوثةً وبراءة.

أغمضت عينيها لحظة، كأنها تلتقط صورةً داخلية تحفظها في ذاكرتها، وفكّرت... كم تعشق هذه العائلة. بتفاصيلها، بأصوات ضحكاتهم وتصرفاتهم الطفولية، وبحضوره الكبير الذي أعاد إليها الإحساس بالأمان.

ابتسمت له سالي ابتسامة هادئة دافئة. أدهشه جمالها، ذلك الفستان الأزرق الملكي الذي ارتدته، البساطة التي تحيط بها، والسكينة في عينيها.

اقترب منها ببطء حتى وصل إلى أسفل السلم، ومدّ يده إليها دون كلمة. وضعت يدها في يده برقة وخجل، نظرت إليه للحظة، وهمست:

"أنا هنا."

نظر إليها خالد، بعينين تحملان دهشة الحب وامتنان لوجودها، ثم ابتسم كما لم يبتسم منذ زمن طويل.

همس وهو يخرج من جيبة علبة مخملية فتحها بتركيز وكان فيها الخاتم الألماسي الذي اهدته له أنيسة أخرجه ونظر إليها بحب قائلاً:

"اسمحي لي".

رفعت سالي يدها تلقائيًّا، وقلبها يخفق بخفة. أمسك خالد بيدها برفق، وزيّن إصبعها بالخاتم اللامع، مُعلِنًا بذلك — أمام الجميع — أن سالي أصبحت رسميًا جزءًا من هذا البيت... هذا العش.

تعالت الزغاريد والضحكات، صفق الموظفون بحماسة، وهتف الأطفال بفرح صادق، كانت السعادة تعمّ أرجاء المنزل الكبير الذي لم يكن مجرد بناء من طوب وأسمنت، بل كان ملاذًا دافئًا، ملجأ لكل من طرق بابه بحثًا عن الأمان.

المنزل الذي بنته أنيسة لا ليجمع بين أفراد أسرة بالدم، بل بالحب... بالإنسانية التي كانت هي وحدها كافية لتخلق عائلة حقيقية، مترابطة، متحابة.

وفي تلك الليلة الاستثنائية، افتتح خالد مشروعه الأهم، والأقرب إلى قلبه، وإلى قلب أمه أنيسة: مكتبة المنزل. مكتبة ضخمة، فريدة من نوعها، لا تكتفي بتقديم الكتب بل تنبض بالحياة الثقافية، وتتبنّى مشروعًا طموحًا لإحياء الوعي والمعرفة في المجتمع، كما لو كانت امتدادًا لروح أنيسة نفسها.

وفي ختام الأمسية، صعدت فرح إلى المسرح الصغير، وأهدت الجميع أغنية "ليلة حب" بصوتها الشجيّ، كأنها توثّق اللحظة بصوتها، وتختم بها افتتاح المكتبة وافتتاح فصل جديد من الحكاية. كان الجميع يصفّقون، وكانت عينا خالد تتجهان نحو سالي، كما لو أنه يعيد اختيارها كل مرة من جديد.

في تلك الليلة، أصبحت الدكتورة سالي حقًا جزءًا لا يتجزأ من هذا البيت، من هذه العائلة... من هذا "المنزل".

في المكان دا يا حبيبي

ياما جينا وياما ضمّتنا الليالي في المكان نفس المكان دا

ياما طرنا ف العلالي

والليلة دي

يا حياة روحي هنا في نفس المكان جيت أنا و شوقي وقلبي والحنان

جينا نستناك، جينا نترجاك

جينا نفرش بالأمل سكة خطاك

ومهما غبت عليّ، هتجيني بعد شوية

آخد إيديك في إيديا، وأحضن عينيك بعينيّا ونعيشها ليلة عمر... بكل عمر الدنيا

النهاية

***

الحمد لله أكملت روايتي الأولى المنزل.

من كل قلبي بشكركم على وصولكم لحد هنا.

وشوفتوا معايا الرحلة دي من أولها لآخرها.

في كلام كتير جوايا، طلع وأنا بكتب آخر مشاهد، وافتكرت كل حاجة من البداية... من أول ما كانت الرواية دي مجرد فكرة بسيطة جدًا، مشروع صغير بتمرّن بيه على الكتابة، لحد ما كبرت الفكرة وبقت شغلي الشاغل، وكل يوم تكبر أكتر لحد ما وصلنا النهاردة للفصل ٥٢... الفصل الأخير.

بدأت أكتب الرواية دي في شهر ٩ سنة ٢٠٢٣، وخلصتها يوم ٩-٧-٢٠٢٥. حبيت أوثق التاريخ ده معاكم، علشان تكونوا شاهدين على أول رواية أخلصها للنهاية، واللي عندي أمل كبير إنها تتنشر ورقي وتوصل لناس أكتر وتنجح.

من خلال "المنزل" كنت عايزة أوصل حاجات كتير...

أهمها إن الحب اختيار، مش بس إحساس بييجي ويمشي.

اللي عايز يحب بجد، هيحب حتى وسط التعب والظروف، وهيعرف يكون إنسان معطاء، زي أبطال الرواية اللي رغم كل حاجة مروا بيها، كانوا دايمًا مشتاقين للحب وللحنان.

اتكلمت كمان عن حاجات بتحصل حوالينا:

زي الدمج، التنمّر، مشاكل المدارس الخاصة، انتحار الشباب، القمار... مواضيع تقيلة ومهمة، بس كان لازم تتفتح.

ومن أكتر الشخصيات اللي حبيتها كانت أنيسة... بطلة الرواية في عيني، وعمودها اللي اتبنت عليه القصة.

أنيسة كانت بالنسبالي صورة للرقي في التفكير والأخلاق... الصورة اللي مفتقدينها كلنا دلوقتي.

ومن خلال الشخصيات كنت بتعلم مع كل فصل، ازاي أبقى نسخة أحسن من نفسي، وازاي أتكلم بلطف، وأراعي غيري، وأحس بالناس، وأحاول أفهمهم... وكل ده خلاني أتغير، حتى من غير ما أخد بالي.

الرواية دي مش بس قصة... دي جزء مني.

أنا، آلاء، اللي بعاني من الاكتئاب الوجودي، ومن إحساس إني ماشية في طرق مش بتاعتي.

بس اتعلمت إن أوقات كتير، الطريق اللي احنا مش مختارينه، هو بالظبط اللي ربنا كاتبه لينا... وهو الأحسن لينا.

في "المنزل" حاولت أكتب عن كل المشاعر...

عن الحب، الحنية، الأمان، الانتماء، وعن قيمة العيلة، الوطن، والهُوية.

حكيت حكايات كتير، يمكن أهمها كانت حكاية أنيسة وبيسان، واللي ممكن تكونوا حسّيتوا إني تجاهلتها فصول طويلة،
بس الحقيقة... التجاهل ده كان متعمد.

كنت عايزة أوصّل بيه الإحساس بالنسيان والانشغال اللي بنعيشه كلنا، وإزاي ساعات بننسى القضايا المهمة وسط دوامة الحياة.

وكانت فيه تحديات وأنا بكتب الرواية،

زي إني ساعات كنت بنسى تفاصيل معينة، وأرجع أدور عليها من أول فصل،

وساعات تانية كنت بميل للمبالغة في مشاعر أو مواقف،

وفي أوقات كتير كنت ببقى مش قادرة أركز ١٠٠٪ على الكتابة فالفصول بتتأخر،

مش كسل والله، بس لأن شغلي الأساسي كـ طبيبة أسنان بياخد وقت كبير من يومي،

ولسه عندي حياتي الخاصة، وبحاول في نفس الوقت أكون كاتبة وصانعة محتوى...

فـ لو اتأخرت في تنزيل الفصول، أتمنى تسامحوني.

بس عارفين؟

كل مرة كنت بيأس بسبب المشاهدات القليلة، كان دايمًا ييجي كومنت يفكرني ليه بدأت،

كلمة بسيطة كانت بتفتح اللابتوب من تاني وتخليني أكمل.

النهاردة، جالي تعليق من بنوتة جميلة بتقول إنها مبسوطة بالنهاية،

بس حزينة إن الرواية خلصت...

الكلمة دي لمستني جدًا.

أنا كمان، وأنا بكتب المشاهد الأخيرة امبارح،

كنت حاسة بمشاعر متلخبطة... فرحة كبيرة،

بس معاها حزن غريب إني مش هكتب تاني عن أنيسة، أو سالي، أو خالد، أو الأطفال...

شكرًا ليكم واحد واحد.

كل كلمة كتبتوها من أول فصل، كل دعم، كل إحساس،

هحتفظ بكل الكومنتات دي في أرشيف خاص بأساميكم،

علشان تفضلوا دايمًا جزء من الرحلة دي... زي ما الرواية بقت جزء مني.

شكرًا ليكم، قرّائي الأعزاء، على السنتين اللي شاركتوني فيهم الحلم ده.

شكرًا من قلبي... شكرًا جزيلًا.

كاتبتكم المحبة،

ءَالَآء ❤️


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق