السبت، 10 أغسطس 2024

رواية المنزل: الفصل العاشر - ءَالَآء طارق

رواية المنزل: الفصل العاشر

رواية المنزل

الفصل العاشر

وقف خالد أمام سالي التي تراجعت بضع خطوات إلى الخلف بارتباك، ولأنه تعود على رد فعلها المتوتر قال برفق:

"هل تسمحين لي أن أتحدث معك قليلاً؟".

تلعثمت سالي وهي تفسح له المجال وهي تقول:

"بالتأكيد مستر خالد، تفضل".

أضاءت الغرفة مرةً أخرى بينما دخل خالد مُتأملاً المكان من حوله وكأنه يدخله لأول مرة، جلس براحة أمامها في نفس المقعد الذي جلس عليه حسن منذ قليل والذي لم يبرد من حرارته. وجلست سالي مرةً أخرى على مقعدها وهي تستعد لمواجهة أخرى ولكن جديدة من نوعها، فهي لم تتحدث مع خالد بشكل مباشر إلا مرات قليلة جداً وبشكل سطحي. تأملته وهي تتجه إلى مقعدها، كان يبدو مرتباً ومرتاحاً في ملابسه الرياضية التي تراه يرتديها لأول مرة منذ وصولها. تحدث خالد فور جلوسها:

"أعتذر عن ازعاجك في مثل هذا الوقت".

تهربت نظرات سالي من مواجهته:

"لا مشكلة".

"هل حسن بخير؟".

"كان يشعر ببعض الإرهاق بعد المجهود الذي بذله اليوم".

كذبت وهي تشعر بالذنب، فرد عليها خالد بهدوء وهو يتجنب النظر إليها أيضاً:

"جيد".

مرت لحظات صمت، ثم رمقها خالد بنظرة مباشرة وهو يقول:

"أرى أنك علاقتك بالأولاد تتعمق بشكل كبير".

كان صوته هادئ، وعلى الرغم من ذلك شعرت سالي من أعماقها أن هناك اتهام بالنظر إلى نظراته المريبة المليئة بالشك، فردت عليه بارتباك وهي تخفي كفيها المتشابكين تحت المكتب:

"أحاول أن أصادقهم بما أننا نتشارك نفس البيت".

"هذا مريح".

تابعها خالد وهي تخفي كفيها، وتذكر اليوم الذي أوصلها فيه لموعدها المهم، فسألها مباشرةً:

"دكتورة سالي هل هناك أمر ما لا أعلمه؟".

برد جسدها وقالت في نفسها:

'هو يعلم'.

أدرك خالد بسرعة أن هناك بالفعل أمر ما، فرفع حاجبة يحثها على الحديث، قالت سالي بسرعة:

"أمر مثل ماذا؟".

"مشكلة لها علاقة بالأولاد".

صمت لوهلة ثم أكمل:

"مثلاً".

سألته سالي ونبضات قلبها تتسارع:

"لماذا تعتقد هذا؟".

أجاب خالد ببساطة وثقة:

'أنا لا اعتقد، أنا متأكد أن هناك أمر ما لا أعلمه".

تروت سالي قبل أن ترد عليه، وفكرت في جوابها قبل أن تطلقه، ثم قالت ببراءة:

"كما أخبرتك، كل ما في الأمر أنني أحب أن تكون علاقتي بهم جيدة حتى يوم رحيلي".

مال رأس خالد بحيرة وقال:

"رحيلك؟".

نجحت خطة سالي في تشتيت الرجل، فكتمت تنهيدتها وأمهلت نفسها ثوانٍ قبل أن تفسر كلامها، ثم قالت بهدوء وعزيمة:

"مستر خالد، في الواقع سيكون من الصعب عليَ الاستمرار في عملي هنا".

كان دور خالد ليرتبك هو بدلاً عنها، وتذكر تصرف عبدالله معها:

"لماذا؟ هل هناك مشكلة، أو شخص ما ضايقك؟".

قالت سالي بسرعة تنفي تلك التهمة:

"بالطبع لا، لم يضايقني أحد".

سحبت الهواء إلى رئتيها وقالت بصدق:

"كان جزء من اتفاقي مع السيدة أنيسة أن أقيم معكم لمدة شهر، ثم أقرر إن كنت سأكمل أم لا".

لم تكن هناك مشاعر معينة على وجه خالد، فقال بعد تفكير:

"وما الذي جعلك تقررين عدم الاستمرار؟".

"سبب شخصي".

اكتفت سالي بتلك الجملة، فرمقها خالد بنظرة غامضة وقال:

"هذا قرارك ولن يستطيع أحد إجبارك على البقاء بأي حال من الأحوال، ولكن هل هناك مجال للتفاوض؟".

ابتسمت سالي باعتذار وهي تحسم الأمر:

"أعتذر مستر خالد هذا قرار نهائي"

تنهد خالد مستسلماً:

"إذاً علينا أن نبلغ الجميع".

ساد الصمت للحظات، ثم عاد خالد إلى نفس الموضوع الذي تشتت عنه منذ البداية:

"حسناً لنعد إلى حديثنا".

بهت وجه سالي:

"ماذا كان؟".

قمع خالد ابتسامته، لم يقابل شخصاً طوال حياته مشاعره تظهر بهذا الوضوح على وجهه، فتحدث بثقة دون أن يُظهر ابتسامته:

"دكتورة سالي، هل هناك شيء لا أعلمه عن حسن وفرح؟".

الرجل كان ينبش عن الحقيقة دون كلل، ولكنها أجابت وهي تحاول الحفاظ على ثباتها:

"لا أعلم سبب هذا الإصرار، ولكن لو كنت أعلم أمراً يستدعي التدخل من ولي أمرهم، لأخبرت السيدة أنيسة على الفور، بما أنها الشخص المسؤول عنهم أمامي".

تضايق خالد من ردها الذي ينفي عنه المسؤولية فقال ببرود:

"آنسة سالي..".

لم يقل كلمة دكتورة، بل آنسة كما لو أنه يوبخ شابة صغيرة خرقاء:

"أنا ولي أمر هؤلاء الأولاد، وأتشارك في ذلك مع أمي، وأي أمر يخصهم يرجع إلينا نحن الأثنين، كلامك يعني تهميش دوري في المنزل، وأنك لا تريني من الأساس".

صدمت سالي من هجومه، فقالت بارتباك:

"أعتذر لم أقصد الإهانة، ولكنك فهمت الأمر بشكل خاطئ، كان مقصدي أنني لم أتعامل مع حضرتك أبداً حتى أرجع إليك في الأمور المهمة".

ندمت سالي لأنها قالت كلمة "حضرتك"، ولكن توترها لم يدع مجالاً لعقلها حتى يدقق في أسلوب مناداته، سمعته يلح مرةً أخرى:

"آنسة سالي، لدي إحساس قوي بأن هناك مشكلة، وأنا إحساسي لا يخيب في العادة، خاصة عندما يتعلق بالأطفال".

كررت سالي:

"وأنا أؤكد أن هذا الأمر بعيد عني تماماً".

على الرغم من ارتباكها، ولكنها كانت عنيدة ومراوغة، فقال خالد وهو يستعيد هدوءه:

"إذاً لن أكرر سؤالي أكثر من ذلك، ولكنك مسؤولة أمامي لو كنت تخفين شيئاً عنا". أكمل بعد ثوان:

"الأطفال هم أولويتي القصوى ولا شيء أهم منهم، حتى لو كان العمل".

شعرت سالي بالضيق والنفور منه، كان رجلاً واثقاً بشكل استفزها، على الرغم من أحقيته في معرفة أية تفاصيل تخص الأولاد، ولكن وعدها لهم لجمها عن البوح بالحقيقة وإخبار ولي أمرهم الذي بدأ يشك في الأمر بطبيعة الحال. انتبه خالد لوجهها الذي أظلم بالضيق والنفور، فتحدث بهدوء محاولاً تلطيف الأجواء بينهما بعد تلك الجولة الموترة للأعصاب:

"دكتورة هل تخافين مني؟".

رفعت سالي رأسها وهي تشعر بالمفاجأة بسبب السؤال الغريب، هذا الرجل ليس من سياسته التمهيد بل إلقاء القنابل في الوجه، فقال وهو يتأملها:

"لا أعلم سبب هذا الإحساس، ولكني أشعر أنك تخافين مني".

شكوكه كلها كانت صادقة وهذا عزز من خوفها منه، فقالت بارتباك وهي تفك عقدة لسانها:

"لا، ولماذا أخاف منك؟".

'كاذبة'.

لم ينطقها خالد، ولكنه ابتسم بتواضع وتأمل الفراغ لوهلة ثم قال:

"لا أعلم".

أكمل كلامه وهو يوجه نظرة مباشرة إليها، وعرض عليها بصدق شديد:

"إذاً بما أنك لن تكوني معنا الشهر المقبل، أرى أن تقترحي بنفسك مكان التخييم".

لم يكن سؤالاً بل عرض صداقة. نظرت إليه سالي بحيرة، فقال بابتسامة لطيفة كالتي رأتها عندما حمل ماريا:

"مكان التخييم؟".

رد مشجعاً:

"نعم تستطيعين اختيار المكان بنفسك".

تذكرت سالي خطة التخييم التي وُضعت ليوم الجمعة المقبل، وبما أنه عرض عليها اختيار المكان، كانت هناك وجهة واحدة فقط تمنت أن تذهب إليها، وبينما وهي تفكر قال خالد:

"إن لم يكن لديك الخبرة في ذلك، سأعرض عليك مقترحات واختاري المكان على ذوقك".

قاطعته سالي:

"واد الحيتان!".

قالت الاسم بحماس، فقابلها خالد بنظرة محتارة، لتقول هيَ بابتسامة خجولة:

"أعتقد أن واد الحيتان سيكون فكرة لطيفة".

تأملها خالد وهي تبتسم بخجل، فقال وهو يشعر بالتسلية:

"إذاً واد الحيتان".

***

في اليوم التالي بعد عودة الأطفال من المدرسة، أعلن خالد خبر رحيل سالي، فنظر الجميع إلى بعضهم البعض بحيرة، حسن رمقها بعنف، وفرح بخوف، الأطفال الصغار أخذوا يسألونها كالفراخ عن أسباب رحيلها، رحيم دمعت عيناه، نور لم يظهر تفاعلها مع الخبر على وجهها، وباقي الأولاد لم يعلقواً كثيراً. السيدة أنيسة اكتفت بتعليق واحد:

"هذا قرارك يا حبيبتي".

لاحظت سالي الحزن بادياً على الوجه المجعد الذي صار مرهقاً مؤخراً، وهذا جعلها تشعر بالذنب قليلاً، ولكن لم يكن لديها حالياً مجال للتفكير في ردود الأفعال بسبب يحيى الذي تفاقم مرضه ورقد في سرير العيادة. ظلت سالي بجوار الفتى تتابع الحالة، وتم منع الأطفال جميعاً من الدخول خاصةً علي الذي يعاني بسبب مناعته. كانت السيدة منى تشارك سالي في العناية بالفتى المريض وتزودها بطلباتها، حتى السيدة أنيسة التي جلست في الغرفة مرتدية كمامة تتابع المشهد من بعيد والقلق بادياً بوضوح في عينيها. مر صباح اليوم وحرارة يحيى ترتفع بشكل جنوني، وصوت تنفسه كان يعلو مع الوقت، لم يكن الأمر مثل حالة ماريا التي كانت بسيطة جداً، مما جعل سالي تأخذ إجراءات طبية مؤلمة للفتى الصغير الذي كان يتأوه أمامها بضعف ووهن، وعندما عاد الأطفال من المدرسة، كان وقت الغداء، وعلى أحدهم البقاء بجوار يحيى، فرحلت السيدة منى أولاً لتشرف على الأطفال، ثم سالي التي ذهبت على مضض بعد إلحاح من السيدة أنيسة:

"عزيزتي اذهبي لتتناولي غداءك، وسأراقبه بنفسي".

أكدت لها المرأة بثقة:

"أنا سأبقى بجواره".

لم تجد سالي مفراً من إلحاح المرأة، وبالفعل ذهبت وتركت أنيسة بجوار الفتى تمرضه، ثم عادت مرةً أخرى بعد وجبة خفيفة جداً لا تسمن ولا تغني من جوع، لتلح هذه المرة على أنيسة لتتناول طعامها أيضاً، وأخيراً وافقت المرأة ونهضت وهي تعدها بعودة سريعة. وبقيت سالي بمفردها مع يحيى، ليعاودها القلق بعد قياس الحرارة التي ارتفعت للمرة الثالثة، وعاد جسد الفتى الصغير يرتجف بشكل كبير، وهنا كان عليها أن تلجأ إلى الأمر الذي أجلته لأكثر من مرة. وبينما وهي تفكر سمعت طرقاً على الباب وشخص ما يدخل، ظنت أن السيدة أنيسة عادت، فالتفتت لتجد خالد خلفها، يبدو أنه وصل للتو بالنظر إلى ملابسه التي يرتديها عادة عند ذهابه إلى المكتب، سألها بصوت خافت وهو يقترب ويراقب الطفل المريض الموصول بالمحاليل:

"كيف حاله الآن؟".

قالت سالي وهي تنظر إلى الطفل بقلق:

"لديه نزلة شعبية"

بهت وجه خالد، فلحقته سالي بسرعة لتطمئنه:

"أعطيته مضاد حيوي، في الواقع كان يحتاجه بشدة".

تذكرت سالي فقرة تركيب الإبرة الخاصة بالمحلول في يد الصغير الذي صرخ بألم اخترق قلبها. اقترب خالد من السرير ووضع يده على جبين الصغير المتعرق وهو يسأل:

"مازالت حرارته مرتفعة، ما الحل؟".

"لم يمض على اعطائه المضاد والخافض كثيراً، علينا الانتظار".

اقشعر جسدها نيابة عن الفتى عندما فكرت في الخطوة التي ستقوم بها الآن وقالت:

"في الواقع كنت سأستدعي السيدة منى لتساعدني في تحميمه بالماء البارد، سيساعد هذا في خفض الحرارة بشكل فعال".

شمر خالد عن ساعديه بسرعة، فنظرت إليه سالي باستعجاب ليقول:

"سأساعدك بنفسي"

قالها وهو يحمل الجسد الصغير الساخن والمرتجف، وساعدته سالي التي حملت المحلول من بعده في خلع معظم ملابس الفتى الذي بدأ يبكي ويعلو صوته، كان الرجل يهدئه وسالي تحاول تشجيعه، وأتت السيدة منى على صوت يحيى الذي تلقى الماء البارد على جسده بالصراخ والرفس، تبلل الجميع بما فيهم خالد الذي تحولت ملابسة إلى فوضى بسبب الفتى الذي تشبث فيه بقبضته الصغيرة المسكينة، وبعد دقائق أحضرت السيدة منى ملابس جديدة للفتى والبسها لها خالد بنفسه بعد أن أمرهم بالخروج. وقفت سالي مستندة على الحائط بجوار الحمام، وهي تسمع صوت الرجل وهو يُهدئ الفتى الصغير بصوته الرخيم الثابت، بينما السيدة منى تُعد السرير مرةً أخرى. مرت دقائق وخرج وهو يحمل يحيى الذي يتشبث بذراعيه الصغيرتين في رقبته وأنفاسه تخرج من رئتيه بصعوبة، وضعه خالد برفق على السرير، وتأكدت سالي من أن المحاليل مازالت موصولة، وبدأ خالد في مسح شعر الفتى الأسود المبتل بمنشفة نظيفة. من بعيد راقبت سالي الوضع ومشاعرها تتضخم، فمثل هذا المشهد لن تراه كل يوم، كانت في الواقع مذهولة من هذه العلاقات الإنسانية العجيبة التي تراها لأول مرة في هذا المنزل، ولأنها خافت أن تحسدهم أدارت رأسها وذهبت إلى مكتبها تتفقد الأدوية بشرود. مر الوقت، والتذمر والأنين الصادران من يحيى يهدآن تدريجياً، حتى سقط الولد في نوم عميق وأنفاسه الثقيلة تحدث لحناً مزعجاً للأذن، فاستأذن خالد من سالي والسيدة منى لمدة نصف ساعة حتى يأخذ حماماً سريعاً ويبدل ملابسه ثم يعود، ظلت سالي بجوار الفتى الذي بدأت حرارته تنخفض قليلاً والسيدة منى تعاونها. وبعد رحيل السيدة منى لتتفقد الأطفال، بقيت سالي بمفردها مرةً أخرى مع يحيى، ومر الوقت وهي تتأمل الفتى المريض، تمسح شعره الرطب، وتتابع أنفاسه التي تدخل وتخرج بصعوبة في سبيل الحياة ورغماً عن المرض. كم هي الحياة ثمينة حقاً، وهذه الروح الصغيرة المقاتلة أمامها دليل على ذلك، تبدلت نظرة سالي وهي تتأمل يحيى، لم يكن مجرد طفل صغير يتنفس فقط أمامها، بل كنز وهدية جميلة وهبها المولى - عز وجل - لمن لم يقدروها فتركوها، والتقطها من عززوها واعتنوا بها، قبلت سالي الفتى الصغير على جبهته وهي تراه معجزة كغيره من الأطفال، وبعد دقائق سمعت الباب يفتح وخالد الذي بدل ملابسه لأخرى نظيفة وأكثر راحة يدخل متأملاً شكلها المشعث:

"تستطيعين الذهاب الآن يا دكتورة سأبقى أنا بجواره وربما سأصحبه معي إلى شقتي، أخبريني فقط مواعيد دوائه".

شرحت سالي لخالد البروتوكول العلاجي الذي سيتبعه، ونبهته لو حدثت أية أمور خارجة عن سيطرته عليه أن يستدعيها فوراً، وكان خالد مُنتبها ومتفاعلاً مع تعليماتها الواضحة، وأصوات الأولاد في الحديقة يتعالى صداها، وقبل أن تخرج اطمأنت على يحيى مرةً أخرى، وتفقدت حرارته التي انخفضت إلى حد مطمئن بعد هذا الحمام البارد والمحلول المتصل به، وهنا كان عملها قد انتهى - على الأقل - الآن، وشخص آخر سيتولى مهمة تمريض الفتى من بعدها.

خرجت أخيراً من الغرفة التي تعتق جوها برائحة المرض، واستنشقت الهواء الصحي في الحديقة بعد وقت صعب وطويل برفقة طفل مريض، جلست مع الأولاد في الحديقة، واطمأن جميعهم على حالة يحيى. وبينما وهي تتحدث مع ليلى وليان، لمحت من بعيد حسن يخرج من المنزل ويجلس بجوار أحمد يتناوشان برفق، استأذنت سالي من ليلي وليان، واتجهت إلى الفتى:

"حسن أود الحديث معك قليلاً".

نظر حسن إليها ببرود تحت نظرات الحيرة من أحمد، ثم نهض على مهل وهو يضع يديه في جيوبه وسار في اتجاه بعيد عن الجميع، مشت سالي خلفه ينتابها شعور غير مريح، وعندما وصلا إلى مكان بعيد لا أحد يسمعهم فيه، التفت الفتى وانتظر من سالي أن تتحدث. شعرت بعداوة تتسرب من عيون الفتى المراهق، شعور يختلف عن كل موقف جمعهما، ولكنها لم تفهم سبباً لذلك، فتجاهلت هذا الإحساس الذي اقشعر جسدها له وسألته:

"هل أحضرت الأسماء؟".

اخرج الفتى ورقة من جيبه وسلمها إليها بصمت، ثم تحرك ومر بجوارها ليرحل دون التفوه بأية كلمة، أمسكته سالي من كمه وسألته باستغراب:

"هل هناك ما يضايقك؟".

تأملها الفتى بفظاظة وقال:

"وهل هذا يهمك؟".

صدمت سالي من الإجابة، فبالأمس لم تكن لغة الحوار بينهما حادة هكذا، سألته وهي تأخذ تعابير جادة دون أن تترك ذراعه:

"حسن ماذا هناك؟".

لم يرد الفتى ولم تستسلم سالي التي ألحت مرةً أخرى:

"أجبني، هل بدر مني ما ضايقك؟".

تحولت النظرة في عيونه إلى نظرة ثلجية وقال:

"ولماذا تضايقينني، أنت مجرد ضيف سيرحل قريباً".

تمتمت سالي وهي تشعر بأن الفتى يسخر منها:

"ماذا تقصد بكلامك؟".

أشاح الفتى وجهه بعيداً عنها ولم يرد، فشدت سالي على كمه وهي تحثه على الإجابة، ليتحدث أخيراً بصوت هادئ وما زال وجهه بعيداً عنها:

"لماذا سترحلين الآن؟، ستتركين فرح؟".

أكمل سؤاله وهو يلتفت إليها:

"أم أنك من هؤلاء الأشخاص الذي يعدون ولا يوفون بعهدهم؟".

ذهلت سالي من كلامه، ولمحت نظرات الحقد التي رأتها بالأمس، لكنها اليوم موجهة إليها وليس إلى الفتيات، انعقد لسانها وهي تنظر إلى الفتى الصلب، فبلعت ريقها وهمست متسائلة:

"حسن، لماذا تفكر بهذه الطريقة؟".

تحولت نظرته إلى الشراسة وقال:

"وكيف أفكر في مثل هذا الموقف وأنا بمفردي؟".

قلدها بسخرية:

"حسن لا تقلق، الأمور ستكون على ما يرام".

نظر بغضب إليها:

"والآن الآنسة سالي سترحل بعد أسبوع".

أنهى الفتى حديثه بكرامة:

"ولكن هل تعلمين؟ هذا لا يهمني فأنا من سيتولى المسؤولية، لست بحاجة إليك".

تألقت الدموع في عينيها وهي تنظر إلى الفتى بذهول.

"ابتعدي عني".

أزاح الفتى يدها بخشونة ثم رحل وتركها خلفه. 

نظرت سالي إلى الورقة بين أصابعها، لم يكن هذا يوماً لطيفاً، بل كان صعباً ومرهقاً على أعصابها لأقصى حد. قبضت على الورقة بشدة، وهي تحاول أن تتمالك دموعها حتى لا تنساب بسبب حديث الفتى القاسي، أغلقت عينيها بقوة وكلامه يتردد في أذنها، ثم التفتت عائدة إلى المنزل، ولم تكن تعلم أن هناك من يراقبهم من بعيد.

***


جلس خالد بهدوء أمام السرير، يقرأ كتاباً لأول مرة منذ فترة طويلة، لم يجد أبداً الوقت لذلك منذ تأسيسه المكتب وكفالة الأطفال، حتى وجد نفسه اليوم بعدما وضع يحيى في السرير يذهب إلى المكتبة الصغيرة ويلتقط منها أول كتاب وصلت له يده وبينما وهو مستغرق في القراءة، سمع تأوه الفتى وهو يحاول فتح عينيه بصعوبة قائلاً:

"ماما!".

نهض خالد بسرعة وجلس بجوار الفتى قائلاً:

"يحيى أنا خالد".

فتح الصغير عيونه أكثر وتعرف على خالد ثم قال:

"أبيه، أشعر بالعطش".

أخذ خالد كأس الماء بجواره وساعد الفتى ليشرب، ثم ضمه إليه برفق وهو يسأله:

"كيف تشعر الآن يا بطل".

رد عليه يحيى:

"أنا أكره الدكتورة".

تفاجأ خالد بهذا الإقرار:

"لماذا؟".

تحدث الفتى بأنين وكلماته بالكاد مفهومة:

"لأنها أعطتني الحقنة، وألقت عليّ الماء البارد، سأقبض عليها عندما أصير شرطي".

ابتسم خالد أمام براءة الصغير وقال:

"عليك أن تسمع منها اعترافها أولاً حتى تتأكد هل هي مذنبة أم لا".

تمتم الفتى بعند وهو يمسح وجهه في قميص خالد:

"سأضعها في السجن".

دافع خالد عن سالي في غيابها:

"الدكتورة شخص جيد لا تستحق هذا، كما أنها أخبرتني أن حرارتك كانت مرتفعة جداً، ويبدو أنها لسعتها وهي تعتني بك، لذلك كان علينا أن نحممك بالماء البارد، أليس هذا ما نفعله عندما تلسعنا النار؟".

هز الصغير رأسه موافقاً، ولكنه قال بعند:

"ولكن لن اتحدث معها مرةً أخرى".

تنهد خالد مبتسماً:

"إذاً عليها أن تصالحك".

سأله خالد وهو يعدل جلسة الصغير بين ذراعيه:

"هل أقرأ لك قصة؟".

***

انتظرت سالي جرس الفسحة، حتى سمعته يدوي بأعلى صوت، ورأت من بعيد التلاميذ يملؤون الساحة الخاصة بالمدرسة الدولية كالجراد، دخلت بعد أن أخبرت الحارس أنها ولية أمر أحد الأطفال، وتجولت بمهل في المدرسة التي يدرس بها الأولاد، لم تكن لديها خطة محددة لما ستقوم به، لذلك قررت اختصار الطريق والتوجه إلى الفصول التي ربما تجد فرح فيها، فكرت لو كانت على وفاق مع حسن لسألته ليساعدها، ولكنه مستاء منها وربما يحرجها أمام زملائه، تنهدت شاكرةً له على كل حال فالورقة التي سلمها لها أرفق فيها كل اسم بجواره الفصل الخاص به، كانوا أربعة أسماء قرأتها سالي بتأن، ثم توجهت إلى المبنى الخاص بالمرحلة الثانوية. بحثت في كل الفصول التي كتبها حسن في الورقة، ولكنها لم تعثر على أحد في مثل هذا الوقت الذي يوجد فيه جميع التلاميذ في ساحة المدرسة، بحثت أيضاً في الفصول الأخرى الخاصة بنفس السنة، وسألت بعض التلاميذ ولم تجد مرادها، فبعضهم لا يعرف أين هؤلاء الفتيات وبعضهم لا يعرفهن من الأساس، مرت بجوار الحمام الخاص بالفتيات وتأملت الباب هل هذا الباب الذي كسره حسن؟ لم يكن هناك أي آثار لذلك، إن كان هو فمدرسة كتلك لن تترك الباب الخاص بحمام الفتيات مسكور.

تأملت سالي المدرسة الواسعة حولها، شعرت باليأس وخافت من اكتشاف أمرها من أحد الأطفال الذي يعيشون معها في المنزل، فدخلت إلى الحمام بفضول وسألت طالبة عن الأسماء في الورقة، ولكن الطالبة حركت رأسها يميناً ويساراً، دست سالي الورقة في جيبها بيأس وفتحت الماء وهي تفكر في حل بديل، وهذا أيضاً فشلت فيه، فغسلت يديها دون الحاجة لذلك وهمت بالخروج وفتحت الباب، لترى مجموعة من الفتيات كانوا على وشك الدخول، وللمفاجأة كانت فرح من بينهم. ارتسمت الصدمة على وجه فرح التي وجدت نفسها فجأة أمام الآنسة سالي الطبيبة الخاصة بالمنزل تقف في حمام مدرستها، لمحت فرح الصدمة أيضاً على وجه سالي التي تغيرت بسرعه وتحولت إلى صرامة.

***


وقفت سالي أمام الطالبات برفقة فرح في مكان بعيد عن الأنظار، كانت تشبك ذراعيها وقلبها ينبض بعنف خوفاً مما هيَ قادمة عليه على الرغم من موقفها الجاد، تأملتهم بحذر، كانوا بالتأكيد فتيات من عائلات محترمة، لا يبدو عليهن أمر يدعو إلى الشك، تأملنها هم أيضاً بريبة، ونظرن من حين إلى حين إلى فرح المرتبكة، لم تر سالي فرح بهذا الضعف والوهن من قبل، حتى عندما اكتشفت أمرها وبكت الفتاة، لم يكن مظهرها هكذا، كيف تحولت فرح فجأة إلى هذا المخلوق البائس قليل الحيلة بين زملائها، وقد كانت المراهقة الواثقة من نفسها عندما قابلتها لأول مرة. قاطعت إحدى الفتيات تأملها، عندما لمحتها سالي تهمس في أذن زميلتها فسألتهن متعمدة قطع حديثهن الجانبي:

"هل أنتن صديقات فرح؟".

سألتها مراهقة بجرأة:

"هل أنت الطبيبة؟".

تأملت سالي الفتاة، ولاحظت نظرات جرأة وفظاظة في تلك الطالبة، فاستمدت منها الجرأة وقالت بثبات:

"هذا لا يخصك، أخبريني هل أنتن صديقاتها؟".

قالت إحداهن وهي تضع ذراعها على كتف فرح وتضغط عليه بقسوة دون أن تلاحظ سالي:

"ماذا ترين؟".

قالت سالي ببرود:

"لا أرى إلا صديقات سوء".

على الرغم من جرأتهن، لاحظت سالي توتراً وارتباكاً يشابه ما لدى فرح، حاولن منعه من الظهور بوضوح، قالت إحداهن وهي تحاول المماطلة:

"دكتورة، لا أعلم ما أخبرتك به فرح".

نظرت الفتاة إلى فرح ببرود وكأنها تتوعدها:

"ولكن أؤكد لك أنك تفهمين الموقف بصورة خاطئة".

قالت سالي مُقاطعة الفتاة:

"لست هنا لأفهم الموقف من الأساس".

ارتبكت الفتاة وقالت:

"هي فقط مجرد جروح..".

أكملت سالي نيابة عنها:

"مجرد جروح بسيطة غير عميقة، نشعر بعدها بالراحة".

تحولت نظرات سالي إلى الصرامة:

"أنتن مريضات!".

ذهلت الفتيات الخمس من الكلمة، لتقول سالي:

"أنا لا أهينكم، ولكنكم بالفعل مرضى، أي شخص يرى ما تقومون سيتأكد من ذلك".

 أكملت سالي ببرود وهي تدير ظهرها لهن:

"و عليّ أن أتوجه إلى المديرة حالاً لتخبر أولياء أموركم".

بهتت وجوههم، فتدخلت إحداهن بسرعة وهي تسحب ذراع سالي بقوة آلمتها:

"أنت تفهمين الأمر حقاً بصورة خاطئة!".

لم ترد عليها سالي وأكتفت بنظرة باردة وهي تسحب فرح من بينهم، لتضع يدها برفق على كتفها الناعم، وتبدل القبضة القوية بأخرى لينة:

"أكررها، لست مهتمة بذلك، فهم الأمر سواء بصورة صحيحة أم خاطئة امر لا يشغل تفكيري، ما يهمني الآن هو مصلحة شخص مهم لدي".

نظرت فرح إلى سالي بعدم فهم، فأكملت سالي وهي تضم فرح أقرب إليها:

"مصلحة فرح أولويتي الآن، وأنتم تؤذونها، لقد ورطم أنفسكم وورطموها معكم في فعل خطير لا مبرر له".

لم يرد أحد، واكتفوا بالنظر إلى بعضهم البعض، فقالت سالي وهي تبدأ عملية مساومة غير شريفة في نظرها:

"لن أخبر المديرة، ولكن بشرط".

تلهفت عيون الفتيات بسرعة لمعرفة الشرط، فعرضت سالي اقتراحها:

"منذ الآن لا فرح بينكم، ابتعدن عنها تماماً، لا محاولات للاقتراب ولا الحديث، وإن وصلني خبر أنكم تواصلتم معها ستجدون المدرسة كلها فوق رؤوسكم".

قالت إحدى الفتيات بسرعة:

"حسناً نعدك بذلك".

كان من الواضح أنهم خائفين بالفعل من تهديدها، ولكن سالي لم يكن لديها ضمان بأن ما قالته سيحدث فأضافت إلى تحذيرها:

"حسن أخوها يعلم بهذا الأمر، وأظن أنكم تعلمون ما قد يفعله شخص مثله لو اقتربتم منها مرةً أخرى".

تفاجئن الفتيات عندما علمن ان هناك شخصاً آخر يعلم بسرهن، خاصة حسن هذا الفتى المخيف الذي كسر باب الحمام بقدمه وكاد أن يفضحهم. نظروا إلى فرح بحقد، ولكنهم سرعان ما أخفوه وانصاعوا لتهديد طبيبة المنزل:

"نحن موافقين".

تركوا تلك الجملة كرد على الصفقة، ورحلن بسرعة كالضباع الخائنة.

في الواقع لم يكن لدى سالي نية لتتستر على أمر هؤلاء الفتيات، ولكن لم يكن لديها خيار آخر الآن سوى تهديدهم وابعادهم فقط عن فرح، خوفاً عليها من الأذية التي قد يلحقونها بها فيما بعد لو تم إفشاء سرهم، لذا قررت الانتظار ومتابعة الأمر حتى ينتهي دون تطورات خطيرة. نظرت سالي إلى فرح الساكنة تحت قبضتها، كان الفتاة المراهقة تخفض نظرها إلى الأسفل، شدت سالي برفق على كتفها وقالت دون التطرق إلى أية أحاديث أخرى:

"هيا لتذهبي إلى فصلك".

رحلت سالي دون أية كلمة أخرى مع فرح، في الواقع كانت تترقب رد فعلها ببعض الارتياب، خوفاً أن تتوتر علاقتهم كما حدث مع حسن، ولكن مصلحة فرح كانت تبدأ من ابتعادها عن هؤلاء الفتيات، ثم علاج تلك العادة السيئة التي اكتسبتها وهذا هو التحدي القادم لهما معاً، وعلى فرح أن تتعاون معها ليتخطوا تلك المشكلة بهدوء.

أثناء عودتها إلى المنزل كانت تفكر بعمق، وفجأة أُضيئ مصباح داخل عقلها، فأخرجت هاتفها وأرسلت رسالة صوتية إلى شخص ما.

***

في المساء وفي العيادة كان هناك صمت مريب في غرفه فيها خمسة أشخاص، سالي بشعر مشعث تكشف على يحيى الذي يرتدي ملابس شرطي جديدة اشتراها لها خالد، أنيسة ومنى يقفون بجوار الفتى كالحراس، تأهباً لأي تصرف غدر آخر قد يصدر منه، وخالد يجلس على كرسي بالقرب منهم يتابع الكشف وهو يكتم ضحكته.

قبل خمس دقائق..

"سأسجنك".

قالها الفتى وهو يشد شعر سالي، وهذا ما جعل أنيسة ومنى تنهضان بسرعة لتدارك الموقف، صاحت أنيسة وهي تخلص شعر سالي من الكف الصغير القوي:

"يحيى أترك شعرها!".

وهذا كان سبب شكلها الغير مرتب.

لاحظت سالي أن حالة يحيى تحسنت بقدر كبير، ولكن كان على الطفل أن يبقى مع خالد في شقته حتى لا يلتقط منه أحد العدوى، خاصةً الصغار، وبعدما انتهت من الفحص، تنهدت بيأس وهي ترى خصلات شعرها المسكين بين أصابع الولد:

"الحالة تتحسن، سيكمل بروتوكول العلاج ونتابعه".

قالت أنيسة وهي تشعر بالذنب:

"سالي، أعتذر عن تصرف هذا الولد الشقي".

نظرت أنيسة إلى الفتى نظرة جانبية مرعبة، ولكن يحيى لم يكن الطفل الذي يخاف من تلك التهديدات التي قابلها بابتسامة ماكرة منتصرة، ولم يلاحظ أحد الابتسامة التي صدرت من الخلف لخالد الذي كان مستمتعاً بالمشهد. كان هذا أقل شيء حدث مع سالي منذ مجيئها إلى هنا، فقالت وهي تسحب الكمامة لأسفل:

"لا بأس".

سكتت قليلاً ثم نظرت إليهم بحيرة:

"أعتقد أنه عليكم الحذر من العدوى، لو شعر أحدكم ببوادر المرض فليخبرني حتى أتعامل معه بسرعة، خاصة أنت مستر خالد بما أنك أكثر من تعامل مع يحيى دون كمامة".

هز خالد رأسه موافقاً، ثم حمل الفتى الصغير وهو يقول:

"سنذهب نحن إلى النوم".

نظر إلى الفتى بين ذراعيه بابتسامة:

"أليس كذلك؟".

ابتسم الصغير برضا وتعلق في رقبته وهو ينظر إلى سالي بابتسامة انتصار، ورحل الأثنان بهدوء. قالت منى لأنيسة وهي تنظر إلى إلى الباب الذي أُغلق للتو:

"هناك انسجام غريب بين مستر خالد ويحيى، أمرهم مريب".

ابتسمت أنيسة وهي تقول بفخر:

"الأطفال يعشقونه".

نظرت الاثنتان فجأة إلى الضحية المسكينة التي تقف بجوارهما وجفونها الناعسة تكاد تغلق دون إرادتها، فقالت أنيسة بلهفة وهي تمد يدها لتهذب شعر الشابة الطويل:

"أوه، حبيبتي أنا متأسفة حقاً".

***

في غرفتها أنصتت سالي إلى الرد على رسالتها:

[سالي عزيزتي، أعتذر لم أجد الوقت للرد عليك في الصباح، سمعت رسالتك الآن، انتبهي جيداً لكلامي، ربما يكون الأمر عادة اكتسبتها الفتاة، ولكن عليك أن ترجعي الأمر أيضاً إلى مشكلة نفسية ربما تعاني منها، أبرزها مثلاً اليتم، هذا أمر حساس بالنسبة لمن هم مثلها، حتى لو لم يظهروا ذلك، ولكنه يعود ليظهر في تصرفاتهم، تحدثي مع تلك الطفلة، وتعمقي معها، حاولي أن تسجلي في عقلك ما تتفوه به، ردود أفعالها، وطريقة تعاملها مع من حولها، وإن كان لديك وقت كاف حدثيني عنها أكثر، وسيكون أفضل لو وجدتي وسيلة لأقابلها، سالي خذي حذرك، فتلك الطفلة ربما تؤذي نفسها بسهولة.

أخبريني عزيزتي ما أخبارك؟، هل أنت أيضاً بخير؟].

فكرت سالي في كلام طبيبتها النفسية وهي تقاوم الصداع الذي بدأ يخرب في أعصابها، لم يعد أمامها وقت طويل لتجد حلاً لتلك المشكلة، عليها أن تتصرف، ثم ترحل بقلب راضٍ وضميرٍ مرتاح، وإن لم يحدث المراد، فعليها إذاً إخبار أنيسة أو خالد ليكملا الطريق من بعدها. شعرت من أعماقها بالذنب، وألحت عليها الكثير من الأسئلة، مثلاً هل كان عليها إخبارهم؟ هل كان قرارها صائباً عندما تسترت على الفتاة، وتحملت المسؤولية نيابة عن أولياء أمرها؟ وها هو حسن جاء ليضعها أمام نفسها في مواجهة في مثل هذا الوقت الحرج. يبدو أن هذا الفتى على صواب، لقد وعدته في لحظة ثقة زائدة عن اللزوم بأنها ستتصرف بنفسها، وفجأة أفصحت عن نيتها، وقررت الرحيل والهرب دون أن تضمن حسم المشكلة، ولكن لم يعد لديها خيار آخر إلا الانتظار، لا جدوى من إحساس الذنب وتلك الأسئلة غير الضرورية، عليها - على الأقل - المحاولة حتى آخر ثانية ثم الاعتراف لأنيسة، هذا هو الحل والخيار المتبقي. تفاقم الصداع لديها وامتد حتى عينيها الناعستين، فدلكتهما وانهارت على السرير تتنهد بيأس:

"ماذا أفعل؟".

تنبهت إلى صوت الطرق على الباب، فنهضت بسرعة لتفتحه، ودخلت فرح دون استئذان وهي تقول:

"أريد التحدث معك من فضلك".

تفاجئت سالي من أسلوب فرح، فأغلقت الباب بحيرة وهي تنظر إلى الفتاة التي وقفت في إحدى الزوايا المظلمة للغرفة، وقسمات وجهها توحي بالبرود، لم تعطيها فرح فرصة وقالت بخشونة:

"لماذا جئت إلى مدرستي اليوم!".

تفاجئت سالي من أسلوبها الخشن، وانطلقت كلام الفتاة كالرصاص:

"ماذا تظنين نفسك؟ ولي أمري!".

استطردت بغيظ:

"هل تعلمين أنك تسببت في إحراجي مع زميلاتي؟ طلبت مساعدتك في أمر معين فقط، وليس المجيء إلى مدرستي وإثارة فوضى في حياتي".

بالفعل كانت فرح توبخ سالي بعيداً عن فرق العمر. ووقفت سالي أمامها دون أن تبدي أي ردة فعل. تلقت التوبيخ والاتهام بهدوء شديد وهي مخفضة رأسها متأملة الأرض، سمعت فرح تكمل حديثها الخشن:

"لماذا لم تعرضي عليّ الأمر أولاً؟ لماذا لم تخبريني بدلاً من أن تفاجئيني!".

رفعت سالي رأسها وقالت بصوت مبحوح:

"فرح لم أقصد أن أتسبب في مشكلة مع زميلاتك".

"لقد تسببت بالفعل! هم يتجاهلوني الآن".

دافعت سالي:

"هم يؤذونك!".

"ليس مبرر! هذا قراري أنا مقاطعتهن وليس قراراك! أنا لست طفلة لأختبئ وراء الكبار".

أكملت الفتاة وغضبها يتفاقم:

"أستطيع حل مشاكلي بنفسي، لقد جعلتني وكأنني أهرب من مواجهتهن".

كانت سالي عاجزة عن الرد، فانتهزت الفتاة الفرصة لتكمل حديثها:

"وأيضاً لما فعلت ذلك وأنت على وشك الرحيل، لماذا تعاملت وكأنك قلقة علي، وأنت من الأساس تنوين الرحيل!".

كانت الفتاة تكرر كلامها وتضغط على قلب سالي بعنف، مضت ثوان تنفست فيهم بغضب، ثم أخرجت أنفاسها وأكملت بهدوء وهي تحاول السيطرة على حديثها:

"أنا آسفة لو طلبت منك المساعدة، يبدو أنك فهمت الأمر بشكل خاطئ، ويبدو أنني فهمت أيضاً الأمر بشكل خاطئ، أنت مجرد ضيف مثلك مثل الدكتورة نادية، لا تنتمين إلى العائلة".

تلك الجملة التي كررتها فرح مثل حسن، كانت هي ما كسرت ظهر البعير، نظرت سالي إلى فرح بصدمة وكأنها لطمتها على وجهها. وفي نفس الوقت ندمت فرح على تلك الجملة الأخيرة، ونظرت إلى سالي وشعور الذنب يستولي عليها وهي تشعر أنها أهانتها، خاصةً وهي تراها صامتة لا تدافع عن نفسها، لكنها لم تجد المزيد لتقوله، فخرجت من الغرفة قبل أن تنطق بلسانها ما يجعلها تعقد الموقف أكثر.

أغلقت فرح الباب خلفها وتركت سالي تقف بخمول في عالمها الخاص الذي يتردد فيه صدى كلمات المراهقة ذات الستة عشر عاماً، جلست على سريرها بوجوم وهي تحتضن ساقيها متأملةً المحيط أمامها بشرود، لم يكن الأمر وكأن حسن أو فرح مخطئين، هؤلاء الأولاد وضعوها أمام حقيقتها، لقد كررا نفس الجملة وكأن أحدهما استمع إلى الآخر، جبانة، هاربة، غير مسؤولة، كانت تلك الجمل التي تدور في رأسها منذ رحيل فرح، ربما من يستمع إليهم يجد في اسلوب حديثهم شيء من الطفولة والفظاظة، ولكنهم على حق في نهاية الأمر، هؤلاء الأطفال لم يصارحوها بما ليس فيها، كانت كما قالوا بالفعل مجرد ضيفة، سألت نفسها بكبر:

'وما مشكلتك؟ وهل كنت ترغبين في أن تكوني غير ذلك؟'.

وقفت عند هذا السؤال لدقائق، هل ترغب بالفعل في أن تكون أكثر من مجرد ضيف؟ منذ مجيئها إلى هذا البيت وهي تشعر بالألفة مع أناس غرباء لم يمض على اقامتها معهم سوى ثلاثة أسابيع، كلما اجتمعت معهم شعرت بالدفء الذي لم تشعر به في بيتها، ثلاثة أسابيع فقط كانوا قادرين على إقامة رابطة عاطفية مع الأطفال، اعترفت متنهدة، لقد أحبتهم وأحبت ظرافتهم ومشاكلهم، وصخبهم اللذيذ. هبطت دموعها ليس من قسوة الكلمات، بل بسبب تشتتها وحيرتها، بكل صدق لم ترغب سالي في الرحيل عن هذا المنزل، هذه هي الحقيقة، لم تستطع تفسير سبب مشاعرها وعاطفتها المتأججة الآن، هل كان ذلك بسبب توقها إلى العائلة الحقيقية؟ فكرت في والدها والمهلة التي أعطاها لها، شعرت باليأس الشديد وهي تتذكر أمره، فدفنت رأسها أكثر بين ذراعيها، وبينما وهي غارقة في أحزانها سمعت طرقاً على باب غرفتها، ووجدت الباب يُفتح دون إذن منها، رفعت رأسها وهي تمسح دموعها، لتجد فرح تمد رأسها أولاً ثم تدخل مغلقة الباب خلفها، لقد عادت. تعاملت الفتاة وكأن شيئاً لم يحدث قبل قليل، واتجهت لتستلقي على السرير بجوارها، وكانت تلك نسخة فرح التي عرفتها سالي من البداية.

نظرت سالي إلى الساعة التي أشارت إلى الحادية عشرة، فنهضت وأظلمت الغرفة واتجهت إلى السرير تستلقي بجوار فرح التي أعطتها ظهرها، ومرت الدقائق بصمت، وأنفاس فرح هادئة، منتظمة، وغير مسموعة، فاعتقدت سالي أنها غفت، وقبل أن يمس النوم عينيها، سمعت همساً صادراً من جوارها:

"هل سترحلين حقاً؟".

فتحت سالي عينيها الناعستين، ونظرت إلى الفتاة التي لا ترى منها إلا ظلال ظهرها وشعرها، فسحبت الغطاء إلى ذقنها وهي تقول ببساطة:

"نعم".

سألتها فرح:

"إذاً لما فعلتِ هذا؟ لماذا جئت اليوم؟ هذا بلا جدوى".

فكرت سالي قبل أن ترد، ولم تجد إلا إجابة واحدة:

"لأنني أهتم لأمرك".

"تقولينها ببساطة؟".

كانت الفتاة تعاتبها بهدوء، ففكرت سالي في أية مشاعر أخرى قد تدفعها للتصرف هكذا، هل إحساسها بالمسؤولية؟، بالتأكيد كان هذا جزء كبير من دافعها، ولكن كانت متأكدة من أن تصرفها نابعاً من عاطفتها تجاه الفتاة، عاطفة يخالطها القلق والخوف عليها، ولكنها لم تستطع تحديد تحت أي مسمى يقع هذا الإحساس، فقالت بصدق:

"لأن هذه مشاعري بالفعل".

"ما دمت تهتمين لأمري، لما سترحلين؟".

التفتت سالي إليها، وشعرت بغصة في قلبها فور سماعها هذا السؤال، لقد حاصرت نفسها بنفسها، وهذا جعلها ترتبك وتتحدث دون تفكير في محاولة لحماية نفسها من هذا السؤال:

"فرح، هناك ظروف في حياتنا تدفعنا لاتخاذ مثل تلك القرارات الصعبة".

فكرت، ثم أكملت حديثها غير الموزون:

"الحياة لا تنصاع دائماً إلى أمانينا".

همست الفتاة موافقة:

"نعم هذا صحيح".

قالت سالي في محاولة لتشجيع الفتاة:

"الناس يجيئون ويرحلون، في حياتنا ولا تبقى إلا العائلة، وأنت لديك تلك العائلة".

مرت لحظات قبل أن تسأل فرح سؤالها الذي لطالما ألح عليها:

"ما معنى عائلة؟".

ابتسمت سالي بمرارة وأجابت:

"أعتقد أنك أفضل من يرد على هذا السؤال، وليس أنا".

"ماذا تقصدين؟".

رددت سالي أفكارها ببطيء:

"شخص يهتم بأمرك، لا يكف عن التفكير فيك، أنت أولوياته، يكون حاضراً في أزماتك، يرفق بك في أخطائك، تسكنين في وجوده، بكل بساطة هو شخص موجود دائماً لأجلك، أعتقد أن هذا تفسير العائلة".

تذكرت سالي والدها وهي تردد تلك الصفات التي تمنت لو أنها تواجدت فيه، وفي المقابل كانت فرح تفكر في المفهوم الذي قالته سالي، وسؤال يتردد في ذهنها، أليست العائلة تتكون من أب وأم وأطفال؟ لطالما كان هذا مفهومها عن العائلة، ولا زالت مقتنعة بهذا، همست:

"هل الأمر بهذه السهولة؟، هل هكذا تتكون العائلة؟".

تنهدت سالي ووالدها لا يغيب عن عقلها:

"ربما تفهمين كلامي فيما بعد".

سألتها فرح وهي تتشبث بأية فرصة تمكنها من حصار سالي:

"قلت إننا أحياناً نضطر لاتخاذ قرارات صعبة، هل قرار رحيلك عن هنا صعب؟".

همست سالي وهي سارحة في أفكارها:

"هل أمر رحيلي صعب؟".

صمتت لوهلة، ثم أكملت دون أن تدع لنفسها مجالاً للتفكير في الأمر:

"لا أعلم، الرحيل ليس أمراً سهلاً في كل الأحوال، ولكن من الأفضل أن أرحل الآن".

قالتها وهي تشعر بضيق شديد، ما بال هؤلاء الأطفال يضعونها في مواجهة أمام نفسها ومعتقداتها. التفتت فرح وعلى وجهها ابتسامة بالكاد لمحتها سالي بسبب الظلام، وقالت الفتاة:

"لطالما قال حسن ذلك، ولكنه كان دائماً يتراجع عن قراره، أتمنى أن تتراجعي عن قرارك مثله".

نظرت سالي إليها بتساؤل:

"حسن؟ لماذا قد يقول ذلك".

ابتسمت فرح وهي تعود بالزمن:

"عندما كنا صغاراً كان يهدد جميع من في الدار، المشرفة والأمهات وإخوتنا بالرحيل وعدم العودة أبداً، وعلى الرغم من ذلك لم يفعلها، رغم الضرب المبرح بسبب تمرده وقلة أدبه".

استرسلت فرح:

"بناءً على تفسيرك للعائلة، فهو عائلتي، قبل أن أرى ماما أنيسة وأبيه خالد، نشأنا في نفس الدار بجوار بعضنا البعض، ولطالما تم ضربه وسحله بسبب أخطائي التي يتستر عليها بنفسه، وعلى الرغم من ذلك لم يشتك، ولم يسمح لي يوماً بالاعتذار منه أو مواساته".

أكملت الفتاة بحزن:

"حتى فصله من المدرسة الآن كان بسببي".

تألمت سالي على حال هؤلاء الأطفال ومن هم مثلهم، وأنصتت إلى فرح التي أكملت حكايتها:

"حتى جاء أبيه خالد وماما أنيسة، ورحلنا عن تلك الدار العفنة".

"كم كان عمركم؟".

"كنت في الخامسة وحسن كان قد أكمل السادسة".

تخيلت سالي فرح وحسن وهم صغار وشعرت بالفضول تجاههم، فسألت فرح:

"ماذا تعني لك ماما أنيسة ومستر خالد؟".

ابتسمت فرح بحب وهي تستعيد ذكرياتها السعيدة وقالت وعيناها تلمعان:

"ماما، لم أقابل أبداً شخصاً حنوناً مثلها".

ضحكت:

"ولكنها تكون متوحشة عند الغضب".

أمهلت الفتاة نفسها لحظات لتكمل:

"أما أبيه خالد فقد كان عمري 5 سنين عندما أتينا إلى هنا، في بداية الأمر شعرت بالخوف منه، ربما لاحظتِ أنت أيضاً أنه شخصية صلبة نوعاً ما، ولكن بمرور الوقت صرت لا أشعر بالأمان إلا في وجوده معنا هنا، لا أستطيع تخيل حياة سعيدة هو غير موجود فيها".

نظرت فرح إلى سالي وهي تقول:

"ولكنه لم يكن على وفاق مع حسن".

همست سالي وهي ترفع الغطاء على ذقنها:

"لماذا؟".

ردت فرح بحيرة:

"لا أعلم كنت صغيرة جداً لأستوعب السبب، أتذكر أنني كنت أجلس على ساق ماما وأتشبث فيها خوفاً بينما الاثنان يتشاجران وأصواتهما تعلو، كان أبيه خالد يعاقب حسن كثيراً، ولكن حسن كان فظاً معه ولا يسمع الكلام، ورفض كل ما قُدم له، هل تعلمين؟ لطالما شعرت أنهما متشابهان، كنت أرى فيهم نفس العيون العنيدة، ولطالما سمعت حسن يهدد أبيه خالد دائماً بالهروب من هنا كما كان يفعل في الدار، ولكن فجأة هدئت العلاقة بينهما، وصارا يتفاهمان بهدوء ودون الكثير من الجدال، وأصبح الحال كما هو الآن".

لم يكن هناك المزيد من الحوار بين سالي وفرح، وساد صمت طويل قطعته فرح:

"أنا آسفة، لم يكن اسلوبي معك اليوم لطيفاً".

تجاهلت سالي الاعتذار، فلم ترغب في فتح الموضوع مرةً أخرى، سألت فرح:

"فرح هل لديك أصدقاء غير هؤلاء الفتيات؟".

اتسعت عيون الفتاة ثم ضاقت بسبب التغير المفاجئ للموضوع، ثم قالت:

"لا هؤلاء فقط، تعرفت عليهم في بداية الصف الثانوي، وسمحوا لي بالبقاء معهم".

كان ذلك أغرب رد سمعته سالي:

"سمحوا لك؟".

قالت فرح بخجل:

"لم يكن لدي أصدقاء أبداً في المدرسة، وكانت تلك فرصة لن تتكرر مرةً أخرى".

شعرت سالي أن حديث فرح اليوم ربما يشرح جزء من معاناتها النفسية التي تحدثت عنها طبيبتها، هل كان الأمر ليختلف لو كان لفرح عائلة طبيعية؟ هل تلك مشكلة فرح؟ اليتم والفقدان كما قالت طبيبتها؟ نظرت سالي إلى فرح بعزيمة وقالت لها بصوت جاد:

"فرح اسمعيني، نحن لا نتسول الصداقة أو العلاقات أياً كانت، عليك دائماً أن تنتقِ الشخص الأفضل، لأن هذا ما تستحقه فتاة مثلك، هؤلاء الفتيات ليسوا الأصدقاء الصالحين، وكان من الواضح أنك لا تعنين لهم شيئاً".

لم يكن هناك تعبير على وجه الفتاة التي قالت وعينيها تبهتان:

"هل تعتقدينني غبية لا أفهم؟ أعلم أنني لا أعني لهم شيئاً، إنهم حتى يأخذون مني الأموال بكثرة، واسمعهم بعدها يتحدثون عني ويطلقون عليَ أسم اللقيطة".

شعرت سالي بالصدمة، لقيطة!، هل هذا ما تمر به فرح في مدرستها ومع زملائها، يتم مناداتها باللقيطة! هل هكذا تتعامل الفتيات مع بعضهن البعض في مثل هذا السن! لم تستوعب سالي الوضع، ما هذه القسوة التي قد تصدر من فتيات في عمر السادسة عشر. هل جعلوها تقتنع أنها كما يقولون؟ لقيطة؟ حسن لم يكن مخطئاً، لقد سمعها بالفعل وهي تطلق على نفسها لقيطة. خرجت من أفكارها على صوت فرح التي قالت وهي تشعر بالفقد:

"لا أصدقاء لي غيرهم، سأكمل السادسة عشر، سنتان وسأكون في الجامعة بلا أصدقاء، أريد أن تكون حياتي مثل جميع الناس، عائلة وأصدقاء، هل تفهمين؟".

قالت سالي وصوتها يعلو اعتراضاً:

"لديك عائلة! أم ربما لا تعتقدين هذا؟ لا أقول إننا لا نحتاج إلى الأصدقاء على العكس تماماً، فوجودهم ودعمهم لنا مهم، ولكن إن لم تجدي الأصدقاء، لديك العائلة التي تهتم لأمرك".

قالت فرح بصوت خافت يائس:

"ولكن أريد أن يكون لدي أصدقاء".

"أنا أيضاً لم يكن لديَ أصدقاء مقربين حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية، وقررت أن أتعلم العزف على العود، ومن هنا تعرفت على أصدقائي المقربين".

تأملت ملامح الفتاة اليائسة ثم قالت:

"فرح امضي في حياتك، وفي طريقك ستصادفين أناس يشبهونك وآخرون لا يشبهونك، وسيظل بجوارك من يريدك ومن تريدينه".

فكرت سالي لثوان، ثم أكملت:

"بالتفكير في ذلك لدي فكرة لطيفة، ما رأيك أن تشاركي في الأنشطة؟ هذا سيوسع من دائرة معارفك".

تساءلت فرح بعينيها، فوضحت سالي:

"جربي الأنشطة مثل المسرح، الموسيقى، الرسم، أو اذهبي إلى النادي، هذا مهم لفتاة في مثل سنك، يجب أن تظلي منشغلة حتى تبتعدي تماماً عن هؤلاء الفتيات وتلك العادة، وفي نفس الوقت تتعرفي على زملاء جدد، أعلم أن قطع علاقتك بزميلاتك ليس بالأمر السهل، لكن انشغالك عنهم بداية مهمة".

نظرت إليها فرح بخجل، ثم قالت بتردد:

"في الواقع سبب مجيئي إلى هنا، كان خوفي من نفسي، كان الأمر يلح علي، وكدت أن أفعل ذلك، ولكني استطعت السيطرة على نفسي وجئت إليك".

رمشت عينيها بخجل وأكملت:

"وايضاً لكي أعتذر إليك عن كلامي الفظ واسلوبي الغير مهذب".

احتضنتها سالي وقالت لها:

"أنا فخورة بك".

كانت سالي على علم أن هذا ليس نهاية الأمر، فرح فقط تداركت الأمر قبل أن تؤذي نفسها، ولكن هذا في حد ذاته تطور مهم. سمعت الفتاة تقول بحزن:

"أشعر بالندم والذنب وأحتقر نفسي".

"هذا نابع من ضميرك وفطرتك النقية، لا بأس يا فرح مع هذا الشعور، ولكن بما أنك ادركت أنه عليك أن تتغيري فعليك السعي إلى ذلك، الطريق سيكون صعب وطويل ومرهق، ولكن مع الوقت سيتغير الأمر وسيكون سهلاً وسلساً".

فتنهدت الفتاة وشعرت سالي بأن جسدها يرتعش وهي تقول:

"أرجوك لا تتركيني، لا ترحلي وابقي معي قليلاً".

سمعت سالي توسل فرح ينسجم مع صوتها وهي طفلة تنادي والدها الذي رحل وتركها:

"بابا عد إلى المنزل، لماذا تركتني؟".

لم تجب سالي على توسل الفتاة، وغصة قلبها تتصاعد حتى وصلت إلى حلقها، تساءلت كيف تراها تلك الفتاة لتستغيث بها، وهيَ الضيفة التي لم يمر على معرفتها بها سوى ثلاث أسابيع فقط، فأغلقت عينيها بألم في محاولة لطرد شعور موجع سيطر على قلبها.

بعد هذا الحديث الليلي الطويل، نامت سالي وفرح بأمان ومر الوقت، لتشعر سالي أثناء نومها بحركة مريبة، وبأن هناك ثقلاً فوقها، رمشت عيناها بقلق وتذمرت معترضة:

"فرح ابتعدي عني قليلاً".

وبينما وهي تبعد الفتاة، لمست كفاً صغيراً جداً، ليدرك عقلها الذي استيقظ على الفور أن هذا الكف من المستحيل أن يكون لفرح. فتحت سالي عينيها بسرعة، وتأملت المشهد أمامها بذهول.

نهاية الفصل العاشر

***


أهلاً قرائي الأعزاء وصلنا للفصل العاشر وقربنا من نهاية الجزء الأول، ممكن بعضكم يبقى مستني نقط التحول في القصة بفارغ، ولكن الجزء ده تمهيدي لنقط التحول القادمة قريب في نهاية الجزء الأول، علشان كدة أنا واخدة راحتي شوية في رتم الأحداث اللي هتتحول في الفصول الجاية بإذن الله. الأحداث الجاية كتيرة وفيها قصص جانبية وبطلتها أنيسة اللي هنعرف قصتها قريب.

مش معنى أن الجزء الأول هيخلص اني هوقف، بالعكس أنا متحمسة جداً أبدأ في الجزء الثاني على طول، أنا بس مقسمة الرواية أجزاء علشان تساعدني في ترتيب الأحداث. والقادم أفضل بإذن الله

بخصوص النشر على الواتباد، الموضوع محير جداً بالنسبة ليا، أنا حقيقي في حاجات ليا فيها وجهة نظر مخلياني مش حابة أكمل في النشر عليه، ولكن مش قادرة أوقف النشر عليه بسبب اني لو نشرت  في مكان تاني فأنا هبدأ من الصفر، وأنا أصلاً مشاهداتي قليلة جداً هنا، فقررت أمسك العصاية من النص وأنشر على مدونة خاصة بيا، والفصول هتنزل عليها قبل الواتباد، فلو حد حابب يقرأ على المدونة اللينك موجود في البايو وبرضو هنزله في كل فصل. وللعلم أنا حولت المدونة لأبلكيشن هنزل اللينك بتاعه هنا برضو، عن طريق الأبلكيشن ده هقدر ابعتلكم تنبيه بنشر الفصل، ولكن للأسف الأبلكيشن اندرويد وبشتغل على الآيفون حالياً. علشان كدة وقتي مشغول جداً بين شغلي الأساسي والرواية والأبلكيشن، فأعذروني عن أي تأخير في نزول الفصول.

آخر حاجة بقى: أنا الفترة الأخيرة كنت حاسة باليأس من المشاهدات القليلة على الرواية وعدم وجود تفاعل كبير عليها يشجعني، وفي لحظة قررت اني أوقف، بس جالي تعليقات جميلة جداً خلتني عايزة أخلص الرواية حالاً، بشكر كل الناس اللي شجعتني وبوعدكم بالأفضل، وأي كومنت هيجيلي فيه نقد بناء على الرواية هاخده بعين الإعتبار علشان أصلح نقط الضعف فيها، على الرغم من إن تقبل النقد شيء عزيز شوية على النفس البشرية ولكني بفكر بشكل مختلف وبعلم نفسي تقبل الآراء برحابة صدر، أهم حاجة يكون بناء وغير مهين.

بشكركم جداً على طول بالكم واعذروني على أخطائي أكيد غير مقصودة، الفصل كان المفروض ينزل بكرة بس حاولت أخلصه بسرعة علشانكم، ونلتقي بإذن الله في الفصل الحادي عشر.

المدونة:

https://hakayalaa.blogspot.com/p/main-page.html

رواية المنزل:

https://hakayalaa.blogspot.com/p/blog-page.html

تابعوني على:

instagram: alaatareks

TikTok: alaatareks

x: alaatareks

متنسوش تقرأوا قصصي القصيرة الخيالية، متأكدة انها هتعجبكم

 قلبي، رواية ملاذي وقسوتي واتباد، رواية خيط حرير، رواية تمارا ورحيم، رواية اسيرة عشقه، رواية الشهيد لتوفيق الحكيم، رواية جاسر وحور، رواية عشق الحور، رواية فراشة في جزيرة الذهب، أرض زيكولا، رواية تمرد عاشق، رواية مكتبة منتصف الليل، روايات أحمد خالد توفيق، رواية في قبضة الأقدار، تعافيت بك واتباد، رواية واتباد، روايات واتباد، روايات، واتباد، روايات واتباد رومانسية، رواية عشق الزين، روايات فريدة الحلواني واتباد، رواية فراشة في جزيرة الذهب، رواية الشيطان شاهين واتباد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق