رواية المنزل
الفصل الثامن
فضلاً، متنسوش الvote.
***
في صباح اليوم التالي، أنهى الجميع الفطور، واستعد الأطفال للذهاب إلى المدرسة، ما عدا حسن المعاقَب.
كانت السيدة منى وسالي قد استعدتا للذهاب إلى مكتب الصحة لتأخذ ماريا تطعيمها، وكان من المفترض أن يصحبهما السائق، ولكن خالد أصر على اصطحابهما، وبالفعل ركب خالد بجوار محمود، بينما جلست سالي ومنى مع ماريا في الخلف.
كانت الطفلة، التي ترتدي قبعة صيفية وردية اللون تتلاءم مع لون بشرتها البيضاء، تثير الشغب طوال الطريق، وأرادت الانتقال إلى الأمام وهي تحاول نطق اسم خالد، بينما كان محمود يثبت عينيه على سالي من المرآة أمامه.
وبالفعل، حققت ماريا العنيدة مرادها لتشتته عن النظر إلى سالي، وجلست على ساقيه بانتصار، فخفف قليلاً من سرعته خوفاً على الطفلة المشاغبة التي أمسكت عجلة القيادة بيديها الصغيرتين السمينتين، لكن خالد قطع شعورها بالانتصار، وحملها حتى لا تُشتت محمود. نظرت إليه الطفلة بين يديه باستياء وعتاب، ولكن لم تمر دقائق حتى أخذت تلوّح بيديها للسيارات.
راقبتها سالي بابتسامة، وشعرت أن قلبها يذوب من حلاوتها، لم تقابل في حياتها طفلة جميلة كماريا. على الرغم من كونها طبيبة أطفال، وتعاملت مع الكثير من الأطفال اللطيفين خفيفي الظل، إلا أن تلك الطفلة كانت مختلفة تماماً عن مرضاها الصغار. كانت تشع حيوية وجمالاً كالوردة النضرة.
تذكرت والديها، وشعرت بالاستياء الشديد، كيف لهم أن يتخلوا عن هذا الملاك الجميل؟ نظرت إلى خالد وشكرته في سرها، هو وأنيسة، لأنهما أخذا قرار كفالتها.
على هذه الطفلة أن تكبر بسعادة بين عائلة دافئة ومحبّة، دون أن تُلقى في دور الأيتام، والله وحده يعلم كيف كان سيكون مصيرها لو حدث ذلك. حمدت الله في سرها أن هذا لم يحدث، وأن تلك الطفلة البريئة تضحك بسعادة بين ذراعي خالد أمامها.
لم يكن الطريق إلى مكتب الصحة طويلاً، ووصلوا في وقت قياسي. خرج خالد من السيارة وسلّم ماريا إلى السيدة منى، ولكن الطفلة رفضت وتشبثت به. وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة لإقناعها بالذهاب إلى السيدة منى، قرر خالد أن يدخل بنفسه إلى مكتب الصحة.
وبصفة سالي كطبيبة، كانت على علم بالإجراءات اللازمة داخل المكتب.
وانتظروا جميعاً حتى يأتي دور الطفلة، وأثناء الانتظار كان محمود وسالي يدردشان، فاعتذرت سالي:
"أعتذر مستر محمود، نسيت أمر الكتب تماماً."
"لا عليك، أنا أيضاً لم يكن لدي الوقت الكافي لممارسة أي شيء، العمل هذه الأيام يسير على قدم وساق."
دقق النظر إليها وسألها:
"أخبريني، هل تأقلمتِ على المكان؟"
فكرت سالي قليلاً قبل أن تتحدث:
"نعم، ولكني أشعر أن الأمر غريب قليلاً، أن أعيش مع هذا العدد الكبير من الأطفال."
أومأ محمود برأسه، ثم نظر إلى خالد نظرة جانبية ووجده يلاعب ماريا، فهَمَس وهو يضع يده على شفتيه:
"لأصدقكِ القول، هؤلاء الأولاد مجانين، أنتِ لم تري شيئاً بعد."
ابتسمت سالي ببلاهة وهي تتذكر ما فعله عبدالله بالأمس، قالت بهمس:
"رأيت."
تأملها محمود للحظات، ثم ضحك قائلاً:
"من المجرم هذه المرة؟"
ابتسمت سالي بسبب ضحك محمود، وقالت بيأس:
"عبدالله."
صاح محمود:
"يا إلهي! هذا الفتى خصم قوي حقاً! ما الذي فعله؟"
تذكرت سالي ما فعله الفتى، وتخيلت لو سقطت وقتها من الدرج، كيف سيكون حالها الآن، فاقشعر جسدها وهي تتخيل العواقب، ومسحت على ذراعيها:
"دفعني على الدرج، لكن الحمد لله تفاديت السقوط."
ذهل محمود وهو يتأمل حركة كفيها، كانت خائفة حقاً، فشعر بالغيظ من الفتى الصغير الذي كاد أن يؤذي هذه الشابة اللطيفة، فقال بغيظ:
"هذا الفتى المجنون! هل تم عقابه؟"
"أخبرت السيدة أنيسة وتصرفت معه."
تنهد محمود براحة:
"هذا هو التصرف المناسب، السيدة أنيسة تتحول إلى كائن شرس عندما يرتكب هؤلاء الصغار مثل تلك الأخطاء."
قالت سالي بندم:
"أعتقد أنه يكرهني الآن."
تأمل محمود سالي التي تجمع شعرها الأسود في جديلة طويلة خلف ظهرها، وبعض الخصلات تتناثر بعشوائية حول وجهها القمحي الخالي من مستحضرات التجميل، إلا من كحل يحيط بعينيها ذات الرموش الطويلة، كانت جميلة بشكل خاص ومختلف، فقال دون وعي:
"لا أعتقد ذلك."
نظرت إليه سالي، وقبل أن تتحدث، سمعت صوت خالد الثابت:
"دكتورة، هذا دورنا، من فضلك تعالي معي."
ألقى تلك الجملة وهو يقلب نظره بين سالي ومحمود دون مشاعر خاصة على وجهه. نهضت السيدة منى لتذهب معهما، ولكن خالد طلب منها البقاء حتى لا يكونوا أفراداً كُثراً داخل الغرفة، وبالفعل نهضت سالي، وأفسح خالد المجال لها لتتقدمه. كانت الفوضى تعم غرفة التطعيمات، والطفل الذي يسبق ماريا كان يبكي بصوت عالٍ جداً، مما جعل الطفلة تفقد ابتسامتها المشرقة، وتنظر بحيرة إلى الطفل، ثم إلى خالد الذي مسح على ظهرها الصغير ليطمئنها.
ولحسن حظ ماريا الجميلة، كانت جرعتها عن طريق الفم، وليس بالحقن، ولكنها أثارت الفوضى لفتح فمها الصغير العنيد، وصرخت بلا هوادة، ناهيك عن الرفس، مما اضطر سالي لأن تثبت رأسها الصغير برفق، وفي النهاية أخذت الجرعة وعيناها مليئتان بالدموع.
أشفقت سالي على الطفلة الباكية بين ذراعي خالد، وقالت بعفوية وهي تواسيها وتمسح على وجنتيها الناعمتين الملطختين بالدموع:
"ماريا حبيبتي، لا تحزني، أنا آسفة."
لكن الطفلة نظرت إليها بنفور، وشدت شفتيها للأسفل بحزن، متعلّقة أكثر بخالد الذي كان مصدر الأمان لها. استاءت سالي وهي تفكر، الطفلة التي كانت مشرقة منذ دقائق صارت بهذه التعاسة والحزن. رفعت رأسها، فتلاقت نظراتها مع خالد الذي كان يراقبها بهدوء، ولكنها التفتت بسرعة وتحدثت مع الممرضة لتحدد موعد التطعيم التالي، وخرجوا من الغرفة.
اطمأنت السيدة منى على الطفلة الحزينة، وحملتها بمواساة، وخرجوا جميعاً من مكتب الصحة، ليقودهم خالد ومحمود إلى المنزل مرة أخرى، ثم يذهبان إلى العمل بعدها.
وفي طريقهم إلى العمل، كان خالد يتأمل الطريق، مسندًا خده على أصابع يده. فنظر إليه محمود لوهلة، ثم أعاد تركيزه إلى الطريق أمامه وقال:
"ما رأيك في الدكتورة سالي؟"
نظر إليه خالد باستفهام:
"عذرًا؟"
توتر محمود، وشعر بنبضات قلبه تتسارع:
"أتحدث عن الدكتورة سالي، أعتقد أنها جيدة مع الأولاد، يبدو أن هناك انسجامًا بينهم."
"عليها أن تكون كذلك، أليس هذا عملها؟"
"أنت تعلم أن هذا ليس ما أقصده، أقصد أنها تختلف عن باقي الموظفين في المنزل، ليست مربية بل طبيبة، ومع ذلك يبدو أنها تحب الأطفال كثيرًا."
نظر إليه خالد:
"حسنًا، وهل هذا الأمر سيفرق معك؟ أقصد، ما الذي قد يضيفه إليك؟"
كان خالد يشاكس صديقه بوضوح، وقد فهم محمود مقصده، فردّ بسرعة دون أن يمنحه فرصة للاستفزاز:
"بالتأكيد سيفرق معي، أنا أيضًا أحب هؤلاء الأطفال، وتهمني راحتهم."
علّق خالد بهدوء:
"أرى هذا بالفعل، أخبرني، لماذا لم تواسي ماريا التي كانت تبكي؟"
نظر إليه خالد بابتسامة متلاعبة، وأكمل:
"يبدو أنك كنت مشغولًا بأمر الدكتورة."
ارتبك محمود وعدّل نظارته بتوتر، وهو يتابع الطريق بعينيه، وتمنّى أنه لم يفتح الموضوع من الأساس، فغيّر مسار الحديث بسرعة وقال:
"لديك موعد على الهاتف مع مساعد الوزير اليوم."
نظر إليه خالد بمكر:
"أخبرتني بالفعل."
تمتم محمود بغيظ:
"بغيض."
ابتسم خالد الذي سمع الجملة، ولكنه لم يعلّق.
***
في المدرسة، وفي فصل نور، كان وقت حصة اللغة العربية، سألت المعلمة الطلاب:
"يا أولاد، من منكم قام بعمل البحث الذي طلبته عن العالمة المصرية سميرة موسى؟ وكما اتفقنا، من يعجبني بحثه، ستكون أسئلة الامتحان منه."
رفع بعض الطلاب أيديهم، وكانت من بينهم نور، فعقدت المعلمة حاجبيها باهتمام وقالت بصوت واضح:
"تفضلي يا نور."
نهضت نور وقالت بهدوء:
"لقد حفظته، هل أستطيع تسميعه؟"
شجعتها المعلمة:
"بالطبع، نحن منصتون إليك."
وبالفعل، ألقت نور البحث بطريقة بلاغية عن عالمة الفيزياء المصرية سميرة موسى، التي توفيت في حادث سير مشكوك في أمره. كان البحث الخاص بها مرتبًا بطريقة أثارت إعجاب معلمتها، خاصةً وأنها حفظته ورددته دون الوقوع في أية أخطاء. وعندما انتهت الفتاة، أثنت عليها المعلمة بصوت عالٍ:
"جميعًا صفقوا لنور على مجهودها في جمع المعلومات وترتيبها ثم حفظ البحث."
وبالفعل، صفق الجميع لها، ونهض بعض زملائها يقرؤون أبحاثهم بعدها، ولكن المعلمة صرّحت بأن بحث نور كان أفضلهم عن جدارة. وقبل أن تبدأ المعلمة في شرح الدرس، رفعت إحدى زميلات نور يدها، وسألت المعلمة بمكر:
"كيف لنا أن نتأكد أن أحدًا آخر لم يقم بهذا البحث وليس نور؟"
نظرت المعلمة إليها بصرامة فخرصت، ثم وجهت حديثها لنور التي لم تُظهر قسمات وجهها أية مشاعر ضيق:
"نور، هل لنا أن نعرف كيف جمعتي البحث؟"
كانت المعلمة على علم بالفعل بوسائل نور في الدراسة، وعلى الرغم من أنها أول سنة يُطبق فيها نظام الدمج في المدرسة، إلا أن جميع المعلمين تم إعطاؤهم دورات للتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقات مثل نور، وفقًا لنظام الدمج. وفي الواقع، كانت وسائل نور مختلفة قليلاً عن الوسائل الطبيعية المتاحة للمكفوفين، لأن مستر خالد ولي أمرها، كان حريصًا على تزويدها بأحدث الوسائل التي تساعدها في الدراسة وتوفير الوقت. لذلك، لم تشعر المعلمة أبدًا بفارق كبير بين تحصيل نور وبين تحصيل زملائها، كما أن الفتاة كانت مجتهدة جدًا ومهذبة، ومن طلابها المفضلين.
نهضت نور وقالت بأدب:
"بالطبع، البحث الصوتي ساعدني في معرفة المعلومات، ثم كتبتها بلوحة المفاتيح الخاصة بالمكفوفين، وأختي راجعته معي."
كانت المعلمة متأكدة من صدق نور، ولم تحتج حقًا إلى معرفة تلك الوسائل، لكنها أرادت بذلك تهدئة التحيّز الذي أظهره التلاميذ تجاه تلك الطفلة البريئة:
"شكرًا لكِ يا نور على مجهودك، تفضلي اجلسي."
نظرت المرأة بصرامة إلى جميع من في الفصل، وقالت بصوت واضح:
"الجميع، لا أريد أن أسمع هذا السؤال مرةً أخرى، ومن سيفعل سيتم عقابه."
جلست نور بطاعة بين همسات زملائها وهي تشعر بالضيق قليلًا من تصرفاتهم. لم تفهم سر محاولتهم إغاظتها ومضايقتها باستمرار، وكأنها ارتكبت ذنبًا في حقهم. ولكن، على الرغم من ضيقها منهم، كانت تشعر أن ذلك أفضل من أن تتلقى ردود فعل مثل الشفقة، وهذا بالفعل ما يجعل استيائها وضيقها يتفاقمان إلى أقصى حد. لم يكن لديها علم بكيفية التصرف مع زملائها، ربما عاشت مع إخوتها، ولكنهم في النهاية إخوتها وعائلتها، التي سقطت بينهم الكثير من الحدود. أما زملاؤها فكانوا مختلفين.
أرادت حقًا أن تُكوِّن صداقات وعلاقات معهم ، ولكنها لم تجد الطريقة المناسبة للتواصل دون أن يعوقها اختلافها.
كما أنها لم تتوقع أن يتم التنمر عليها في أول سنة دراسية لها على أرض الواقع. فالسنين الماضية كانت تقضيها في المنزل، والدروس الخصوصية، وامتحان نهاية العام، الذي كان يمر بكثير من الشفقة والمساعدات. شعرت الفتاة أن وضعها مأساوي، وهذا جعلها تشفق على نفسها.
وبينما كانت تجلس بمفردها وقت الفُسحة، سمعت أحدهم يسألها بهدوء:
"نور، هل تشاركينا الطعام؟"
رفعت نور رأسها، وميّزت الصوت، كان لأحد زملائها الذكور في الفصل. لم تكن زميلتها المقربة قد حضرت هذا اليوم لظروف صحية، لذلك كان عليها أن تتناول طعامها بمفردها دون شكوى. فاستنتجت نور أن زميلها اقترح عليها أن تشاركهم الطعام حتى لا تظل وحيدة، لذلك قالت وهي تحاول السيطرة على الحماس داخلها:
"لن أزعجكم؟"
تحدث الفتى بلطف:
"لا، بالتأكيد، نحب أن تشاركينا الطعام."
ساعدها الفتى في نقل طعامها، وجلست نور معهم وهي تستمع إلى أحاديثهم المليئة بالقصص والحماس دون أن تتدخل. كان الفتى اللطيف الذي دعاها حريصًا على أن تُشاركهم الحديث، ولكن ليست جميع النفوس سوية، وبعض التلاميذ لم يُفضلوا وجود نور بينهم.
بعد لحظات، سمعت إحدى الفتيات تسألها:
"نور، من فضلك، هل تناوليني هذا العصير بجوارك؟"
توترت نور عند سماع اسمها، وحركت يديها فورًا وبسرعة، ليقع العصير على الأرض، فصاحت الفتاة:
"هل أنتِ عمياء!"
سخن جسد نور عند سماع تلك الجملة، وتصلب جسدها، وشعرت بأن الزمن توقف لوهلة، ثم عادت إلى وعيها على همسة من زميل لها:
"لا بأس، إنها دمج، بالتأكيد لم تقصد."
سمعت ضحكات خافتة تلاشت أصواتها بين أفكارها. كانت تعلم أن الشائع هذه الأيام بين المراهقين هو مناداة بعضهم البعض بكلمة "دمج" عندما يظهر أحدهم قدرًا من الغباء أو عدم الفهم! وهي كانت تدرك أنها من طالبات الدمج بسبب إعاقتها البصرية، ولكنهم كانوا يهينونها ويتنمرون عليها بوضوح. نهضت نور فجأة، مما جعل زملاءها يتفاجؤون من حركتها السريعة، وقالت بهدوء:
"استأذنكم، سأذهب إلى الحمام."
خرجت نور من فصلها، واتجهت إلى الحمام، وجلست داخله تجمع شتات نفسها وتهدئ نبضات قلبها المتسارعة. كانت مجروحة من تلك الإهانات والتنمر غير المبرر، فكرت الطفلة: لو كان أحمد متواجدًا، لما كانت لتتعرض لمثل هذا الموقف الجديد عليها، فقد كان يشغل وقتها ويُبعدها عن الجميع. ولكن، منذ خصامهما وهي تقضي معظم وقتها في الفصل مع زملائها، حتى بدأت تنتبه إلى تنمرهم.
تمنت نور لو كان حسن موجودًا، ولم يُفصل من المدرسة؛ لعلّه كان سينقذها كما فعل من قبل. كانت لا تزال تشعر بالامتنان له، فقد أنقذها في المرة السابقة حين تنمر عليها التلاميذ.
فكرت في باقي إخوتها، كانت تستطيع أن تطلب منهم مرافقتها وقت الفُسحة كما كان يفعل أحمد، وبالتالي تقلل من نسبة احتكاكها بزملائها. ولكنها فكرت بعناد، لو أنها فعلت ذلك فستكون اعتمادية وتتعود على تلقي مساعدتهم، وهذا ما ترفضه حقًا. أرادت أن تتولى زمام أمورها بمفردها مثل الجميع، رغماً عن إعاقتها.
عند عودتها، كان الفصل قد بدأ ودخل المعلم التالي. اعتذرت الفتاة، وهي تعلم أن عذرها مقبول على أية حال نظرًا لظروفها. وعندما لمست لوحة المفاتيح الخاصة بها، شعرت باستخدام أصابعها الحساسة أن هناك أمرًا ما خاطئًا، فتحسست اللوح بدقة أكثر، فكان مبتلًا بشيء لزج. رفعت يدها إلى أنفها، والتقطت رائحة عصير التفاح. ضغطت مرةً أخرى على أحد المفاتيح التي تصدر صوتًا، ولكنها لم تسمع أي صوت يصدر منها، وأخيرًا تأكدت الفتاة أن اللوح الخاص بها معطّل، لسبب استنتجته بحزن.
***
كان خالد ومحمود يجلسان في مواجهة بعضهما البعض، خالد يشبك ذراعيه برزانة، بينما انحنى محمود بجسده إلى الأمام، يسند ذقنه إلى قبضته المشدودة، وركبتاه تهتزان بتوتر ملحوظ، كان الرجلان يتأملان الهاتف المحمول الخاص بالمكتب على الطاولة أمامهما. مرّت الدقائق والثواني، وفضول الرجلين ونظراتهما الثاقبة تكاد تخترق الهاتف الذي بدا وكأنه سينفجر منها، حتى أصدر الهاتف أخيرًا الصوت المنتظر وبدأ يهتز. نهض الاثنان بسرعة، وأشار خالد لمحمود حتى يرد، في البداية نظر إليه محمود برفض، ولكن أمام نظرات خالد الآمرة، فتح الهاتف، وضغط على مكبّر الصوت قائلاً بصوت عملي:
"صباح الخير، هذا مكتب خالد فريد للتصميم المعماري".
"صباح الخير، معكم مساعد وزير الثقافة".
وعرّف الرجل عن نفسه بهدوء، فأجاب محمود وهو يتأمّل خالد:
"نعم سيادتك، معك السكرتير، تواصلت مع مكتبك من قبل".
"مستر محمود، أهلاً بك".
"مستر خالد المدير يريد أن يتواصل معك".
تدخّل خالد بهدوء في المكالمة الهاتفية:
"أهلاً سيدي، معك خالد فريد".
"سمعت عنك الكثير، أنت من فاز بتصميم المتحف الجديد، لدي رغبة شديدة للقائك".
"أشكرك سيدي، هذا شرف لي".
"لندخل في صلب الموضوع، سمعت من سكرتيري عن مشروع المكتبة التي صمّمتها، أطلعني من فضلك على خطتك؟"
"نعم سيدي، أتمنى أن توفّر لنا موعدًا مع سيادة الوزير لنتحدث عن مشروع مكتبة ثقافية ضخمة".
"هل لي أن أعرف التفاصيل الرئيسية لهذا المشروع؟ إن اقتنعت بها، سأنقلها بسعادة إلى السيد الوزير، ونحدد لك فوراً موعدًا لمقابلته".
"بالتأكيد".
وبدأ خالد بطريقته العملية شرح تفاصيل مشروعه لمساعد وزير الثقافة:
"المشروع هو مكتبة ثقافية متعددة الوظائف. نسعى لتصميم مبنى يجمع بين الفضاءات العامة والخاصة، يتضمن قاعات قراءة متطورة، مسارح صغيرة، ومعارض دائمة ومؤقتة للفنون. الفكرة هي دمج التكنولوجيا الحديثة مع الطابع الثقافي المحلي، بحيث تكون المكتبة نقطة جذب ثقافية ومعرفية للمجتمع."
قاطعه مساعد الوزير باهتمام:
"هذا يبدو مثيراً جداً. هل لديك تصورات بصرية أو نماذج أولية يمكن أن أراها؟"
"نعم، لدينا نماذج أولية ورسومات تفصيلية. لقد وضعنا خطة شاملة للمشروع".
أضاف خالد:
"كما نطمح إلى أن تصبح المكتبة مركزًا لتبادل المعرفة بين مختلف الفئات العمرية، من خلال برامج تعليمية وتثقيفية متنوعة. هدفنا الأسمى، سيدي، هو إحداث تأثير إيجابي في الثقافة المجتمعية."
تدخّل مساعد الوزير:
"هل هناك تعاون مع جهات محلية أو دولية في هذا المشروع؟"
أجاب خالد:
"نعم، نحن في مرحلة متقدمة من المناقشات مع عدة منظمات ثقافية ومؤسسات تعليمية، ومؤلفين ذوي أسماء ساطعة في عالم الأدب، ونسعى لتوفير برامج مشتركة تهدف لتعزيز القراءة والمعرفة، كما أننا نتواصل مع صناع المحتوى لإنشاء محتوى ترويجي للمشروع، كل شيء جاهز، ينقصنا فقط الدعم المادي الذي نتطلّع إليه من سيادتكم".
صمت مساعد الوزير للحظة، ثم قال:
"حسنًا، يبدو أن لديكم خطة متكاملة ومثيرة للاهتمام. سأقوم بنقل هذه التفاصيل إلى السيد الوزير وأرتب لكم موعدًا قريبًا لمناقشة الأمر بشكل أعمق".
ابتسم خالد وقال:
"أشكرك على وقتك وتقديرك. نحن متحمسون للغاية لهذا المشروع ونتطلع للعمل معكم لتحقيقه كجهة رسمية مهمة".
"ونحن أيضاً نتطلع للتعامل مع شخص مثلك مستر خالد، سعيد بالتحدث معك، وسنتواصل قريبًا. إلى اللقاء."
"إلى اللقاء، سيدي."
أنهى خالد المكالمة مع مساعد الوزير، ثم نظر إلى محمود نظرات تفاؤل وترقّب لما سيأتي.
***
عاد حسن إلى تمرينات الجودو في النادي. كان من المعتاد أن يرافقه أحمد، لكنه كان في المدرسة، فقرر حسن الذهاب في وقت مبكر قبل موعد خروج المدارس. أراد أن يعود إلى التمرين بهدوء ليستعيد لياقته تدريجياً، ثم ينتظم لاحقاً مع زملائه. وكان أسبوع الرفد فرصة مناسبة لذلك، حيث أتاح له التمارين منفرداً دون إزعاج.
دخل صالة الجودو التي كانت خالية تماماً، فابتسم بشيء من الراحة والانتعاش، يحب حسن قضاء الوقت وحده. ورغم أن ما حدث في المدرسة لم يكن لطيفاً، فإن هذا الأسبوع جاء في صالحه بشكلٍ ما.
غيّر ملابسه، وخرج من دورة المياه وحقيبته على كتفه. صادف فتاة تقف بتردد أمام الصالة وكأنها تبحث عن شخص. تجاهلها حسن ومرّ بجانبها، لكنه سمع صوتاً خافتاً:
"من فضلك."
التفت، فرأى الفتاة تناديه بخجل. نظر إليها دون أن يرد، منتظراً أن تكمل:
"كيف أستطيع التقديم في اللعبة؟"
ألقى عليها نظرة سريعة وسخر داخلياً من بنيتها الهزيلة، لكنه حافظ على ملامحه الهادئة، وأشار إلى مكتب قريب:
"اسألي هناك."
"شكراً لك."
ثم أكمل طريقه إلى الصالة. بعد نصف ساعة من التمرين، شعر بالإرهاق فجلس يمسح عرقه. دخل أحد المدربين المسؤولين عن المبتدئين، وخلفه الفتاة نفسها. تفاجأ المدرب برؤية حسن، وظل الاثنان يتحدثان قليلاً، بينما كانت الفتاة تراقبهم من بعيد.
وبدأ المدرب يشرح للفتاة أساسيات اللعبة، بينما استأنف حسن تمارينه، لكنه ظل يتابعهم بطرف عينه. كان فضولياً ليرى كيف ستتعامل مع التمرين. ابتسم وهو يراها تسقط أرضاً وتكاد تبكي. نظرت إليه ولمحته يبتسم فازداد خجلها، فأشاح حسن وجهه بسرعة وعاد لتمارينه.
بعد ساعة ونصف، أنهى حسن تمرينه وقرر الخروج قبل أن تمتلئ الصالة. خرج من النادي وشعره مبلول، ووقف على الرصيف ينتظر سيارة أجرة. لمح الفتاة نفسها تقف على مسافة غير بعيدة تنتظر هي الأخرى. لم يفهم تماماً شعوره نحوها، لكنها بدت ضعيفة وخائفة، تقف وحدها في أول يوم تدريب، دون ولي أمر، على عكس ما حدث معه حين رافقه خالد وأنيسة في أول مرة.
مرّت عدّة سيارات أجرة، وكلّما ذكرت الفتاة اسم وجهتها، رفض السائقون إيصالها، وانطلقوا دون تردد. كان حسن يراقب بصمت، مستغرقًا في أفكاره، فلم يتدخّل أو يُعلّق. ثم توقفت سيارة أخرى، فتقدّمت الفتاة بخطى حذرة وكررت اسم منطقتها، لكن السائق ما لبث أن ضغط على دواسة البنزين، فانطلقت السيارة كما فعلت الأخريات.
تدخل حسن هذه المرة، وذكر نفس المنطقة، لكنه عرض على السائق مبلغاً مغرياً لم يستطع رفضه. نظر السائق إليه، ثم إلى الفتاة في المرآة، فقال حسن بهدوء:
"تستطيع اصطحابها معي."
تفاجأت الفتاة حين عادت السيارة لتقف أمامها. رأت حسن يجلس بجوار السائق، ترددت. فأطل السائق من النافذة، وقال بصوت واضح وحاسم:
"اركبي، سأوصلك إلى العنوان."
نظرت إليه باستغراب، بينما ظل حسن محدقاً في الطريق دون أن يلتفت. وبعد ثوانٍ قليلة، ركبت الفتاة.
قبل أن تصل السيارة إلى وجهة الفتاة، طلب حسن من السائق أن يتوقّف. نزل بهدوء بعدما دفع الأجرة كاملة، عنه وعنها. وعندما وصلت الفتاة إلى منطقتها وهمّت بدفع المبلغ، أشار إليها السائق قائلاً بهدوء:
"الحساب مدفوع."
نظرت إليه باستغراب، ثم التفتت إلى السيارة التي بدأت تبتعد، ووقفت في مكانها، يتملّكها شعور غامض بالحيرة،
***
بعد المدرسة، اجتمعت العائلة الكبيرة على طاولة الغداء.
سألت ليان أنيسة:
"ماما، أين أبيه؟"
أجابت أنيسة باستياء، وهي تُعطي عبد الله، المعاقب طَوال اليوم في غرفته، قطعة من اللحم:
"لن يشاركنا الغداء اليوم، أعتقد أنه سيتأخر، لذلك لا تنتظروه."
تحدثت أميرة:
"أعتقد أن أبيه أصبح مدمن عمل مؤخرًا."
قالت منى، وهي تضع كمية من الأرز في طبق حسن:
"هذه المكتبة تأكل وقته."
رفعت سالي رأسها وهي حائرة، وسمعت أنيسة ترد:
"أعرف أنه مشغول عنكم هذه الأيام، لكن يجب أن نتفهم مدى أهمية هذا المشروع بالنسبة له."
سألت سالي:
"مكتبة؟"
ردت عليها أميرة باهتمام:
"أبيه بصدد إنشاء مكتبة كبيرة، ستكون واحدة من أهم المشاريع الثقافية في البلد."
وأكملت بفخر:
"إنه يعمل عليها بجد، وأنا متأكدة أن المكتبة ستكون مذهلة."
تفاجأت سالي بكلام أميرة، وشعرت بالحماس يدب في جسدها، كما رأته يدب في عيون أميرة. ابتسمت أنيسة بخفة وعلّقت:
"لم أتوقع أن يأخذ هذا الولد اقتراحي على محمل الجد."
تدخلت أميرة:
"ولكنه اقتراح رائع يا ماما، أعتقد أنني لن أبرح هذه المكتبة."
علّقت سالي في داخلها:
"وربما أنا أيضًا."
غيرت فرح الموضوع وقالت:
"ماما، زملائي يخططون لإقامة عشاء قبل انتهاء الفصل الدراسي، هل ستسمحين لي بالذهاب؟"
سألتها أنيسة باهتمام:
"أين ومتى سيكون؟"
"نفكر في إقامته في أحد المطاعم، ولكن لست متأكدة بعد من الموعد."
وذكرت فرح اسم المنطقة، ففكرت أنيسة قليلًا، ثم قالت:
"حسنًا، سأتحدث مع خالد."
تأملت سالي فرح، وشعرت بأن هناك أمرًا خاطئًا، لكنها لم تفهم سبب هذا الشعور. انتبهت فرح إليها، فرفعت حاجبيها بابتسامة هادئة، وفجأة تذكرت سالي أمرًا ما، ونظرت في ساعتها، ثم سألت السيدة منى:
"ست منى، هل ماريا استيقظت؟"
"تفقدتها منذ ساعة، ما زالت تأخذ قيلولتها."
نظرت المرأة إلى جهاز مراقبة الأطفال تلقائيًا، كانت الطفلة في العادة تستيقظ قبل الخامسة مساءً، والساعة الآن الخامسة والنصف، فتأملت منى سالي بقلق. تركت سالي طعامها ونظرت إلى أنيسة التي كانت تتابعهما هي الأخرى بقلق:
"سيدتي، استأذنك، سأذهب إلى ماريا لأطمئن عليها."
سألت المرأة بقلق:
"بسبب التطعيم؟"
"لا تقلقي، علينا فقط متابعتها."
"حسنًا، سآتي معك."
كانت الطفلة بالفعل تنام بضيق، ووجنتاها مصبوغتان بلون أحمر، وحبات العرق تلمع على جبينها. وضعت سالي كفها على الجبين الصغير الساخن، وقالت بهدوء:
"لديها حمى."
وبالفعل، في المساء ارتفعت حرارة ماريا أكثر، وكانت سالي مستعدة لهذا الأمر. حملت الطفلة الصغيرة الباكية من مهدها وهي تواسيها بلطف، ووجهت حديثها للسيدة منى:
"ست منى، اسمحي لي أن أظل بجوارها بنفسي."
قالت المرأة بتردد:
"ولكن... أنا أعلم باحتياجات ماريا أكثر منك."
ودققت النظر إليها بتحدٍ:
"هل تستطيعين تغيير حفاضها؟"
لم تغيّر سالي حفاضًا لطفل من قبل، وكان هذا أمرًا جديدًا عليها، لكنها نظرت إلى الطفلة الصغيرة التي ملكت قلبها، فتبدّلت نظرة الحيرة على وجهها إلى إصرار، وقالت بعزم:
"لم أفعل هذا من قبل، ولكن لا بأس، سأتعلم."
لم تفهم سالي نفسها سبب إصرارها. لم يكن هذا دورها في المنزل، بل دور المربيات، لكنها كانت تشعر بأن هناك عاطفة تدفعها للبقاء بجوار ماريا. كانت مشاعرها غريبة في ذلك الوقت، وهي التي لطالما امتلكت تحكمًا قويًا في عواطفها. لكنها الآن تفضّل قضاء الوقت مع هذه الطفلة الصغيرة التي تشعر بالضعف. رغبت سالي في منحها الإحساس بالأمان... أو ربما هي من تشعر بالضعف، وتلك الطفلة هي من ستمنحها الإحساس بالأمان.
"دعيها لي وارتاحي قليلًا، سأناديك عبر جهاز مراقبة الأطفال متى احتجت إلى مساعدتك."
قابلت سالي عناد المرأة بعناد مماثل. وعندما لاحظت السيدة منى أن سالي مصمّمة على التعامل مع الأمر بنفسها، وقفت في مكانها والحيرة تتملكها. كانت قلقة أيضًا بشأن صحة الطفلة، لكنها في النهاية قررت أن تعطي الطبيبة الشابة فرصة لتجربة الأمر بنفسها. وبعد ثوانٍ، تنهدت المرأة ببرود وقالت:
"حسنًا، بما أنك مصرة... ولكني سأمر عليك من حين إلى آخر، يجب أن أطمئن عليها بنفسي بما أنك قليلة الخبرة."
غادرت المرأة التي كانت تعاملها ببرود، بعدما ألقت عليها تعليمات سريعة عن كيفية تغيير حفاض الطفلة. وما إن فتحت الباب لتخرج، حتى فوجئت بخالد واقفًا أمامه على وشك الدخول. رمقته هو أيضاً بنظرة باردة، وقالت بصوت خالٍ من الود:
"أهلًا، مستر خالد. الدكتورة سالي بالداخل مع ماريا."
ضيق خالد عينيه وسأل:
"هل هي بخير؟"
"لديها حمى، والدكتورة سالي ستعتني بها اليوم."
تردد خالد وهو ينظر إلى الغرفة. للأسف، لن يستطيع الدخول رغم قلقه الشديد على ماريا.
وقعت عيناه على الجهاز في يد السيدة منى، فقال بهدوء:
"حسنًا، أعطيني الجهاز، أفضل أن يكون معي."
ضيّقت منى عينيها في امتعاض:
"ولكن عليّ أن أحمله لو احتاجت إليّ الدكتورة سالي."
أجاب بثقة:
"لا بأس، سأراقب الوضع بنفسي."
ناولته الجهاز على مضض، وهمست بضيق لا تخفيه:
"أنتم الشباب تستهينون بي حقًا."
ابتسم خالد بطرافة وقال:
"أنتِ ست الكل."
همست المرأة وهي تتجه نحو غرفتها:
"مجرد كلمات... سأنصرف إلى غرفتي. اتصل بي إن سمعت الآنسة سالي تناديني."
"بالتأكيد."
في الغرفة، نظرت سالي إلى الطفلة بين يديها، التي كانت تبكي بصوت منخفض، وحاولت أن تهدئ من روعها. وضعت يدها على رأسها وهمست:
"ماريا، لا تقلقي، أنا هنا، كل شيء سيكون على ما يرام."
لم يكن مزاج ماريا هادئًا، وكانت تبكي بحرقة، متألمة من الحرارة المرتفعة التي تنهش جسدها الصغير. تعاملت سالي معها طبيًا، ثم ضمّتها إليها بحب، وأخذت تغني لها بعض الأغاني التي كانت تغنيها لنفسها ولأختها وهي صغيرة، حين كانت والدتهما غائبة عن البيت.
في نفس اللحظة، جلس خالد على سريره بعد حمام منعش، وفتح جهاز مراقبة الأطفال، ليسمع صوت أنين وتوجع ماريا، ومحاولة الطبيبة لتهدئتها، كانت تغني للطفلة بصوت خافت، ومع صوت غنائها الهامس كانت ماريا تصدر صوت تأوه ممزوج بالأنين، أخذ الصوت ينخفض ببطء، حتى هدئت الطفلة، ويبدو من أنفاسها التي أصبحت منتظمة إلى حدٍ ما، أنها نامت تماماً تحت تأثير سحر غناء الطبيبة.
بعد شوط طويل من المواساة والمسح على جسدها الصغير نامت الطفلة الحزينة، والدموع تتجمع في زوايا عينيها المغلقتين، مسحتهم سالي بمنديل وقبلت جبينها، وجلست على الأريكة المجاورة لمهدها، وبيدها اللاب توب الخاص بها تكتب عليه إحدى رسائلها التي أحبت أن تكون ظاهرة للناس وليست سرية، أرادت ان تشارك الجميع تلك المشاعر التي تمر بها:
[مساء الخير أعزائي..
أكتب تلك الرسالة في وقت متأخر كما ترون، والنوم يرفض أن يلامس جفوني كالعادة، ولكني في الواقع لا أشعر بالضيق، لأنني اليوم أؤدي وظيفة ليلية وأحرس ملاك صغير ينام أمامي بأمان، ولكنه يعاني من ارتفاع درجة حرارة بسبب التطعيم الذي حصل عليه مؤخراً، ربما علي أن أشكر عملي كطبيبة أطفال الذي جعلني التقى بهذا الملاك الجميل، لو كان مصرحاً لي أن التقط له صورة واشاركها معكم لكنت قد فعلت، ولكني ارفض هذا من دواعي الأنانية وأيضاً الخصوصية، سأعوضكم عن تلك الصورة بواحدة أخرى لسماء الواحدة ليلاً، وسأفتح لكم تصويت، السؤال: كم عدد النجوم الظاهرة في الصورة؟].
نشرت سالي تلك الرسالة القصيرة على مدونتها وحسابها على أحد مواقع التواصل ثم أغلقت اللاب توب، واقتربت من المهد لتتفحص الرضيعة النائمة، تأكدت من تجديد الكمادات والتي تسببت في ايقاظ ماريا، بكت الطفلة بإرهاق وضعف، وفي النهاية أدركت سالي أنها تحتاج إلى تغيير حفاضها، كان عليها أن تقوم بهذه المهمة على مضض، وبالفعل كانت عملية صعبة في البداية، حتى أنها فكرت في طلب المساعدة من السيدة منى، ولكنها تراجعت في النهاية، ليمر الأمر كما تمر كل تحديات الحياة، ولتبدأ سالي جولة أخرى من جولات تهدئة الطفلة الصغيرة.
ظل خالد يراقب الجهاز الصغير بانتباه بالغ لأكثر من ساعة، يتابع الأصوات الصادرة منه بتركيز. وبينما هو كذلك، وصلته رسالة من محمود تُبلغه بأن موعدهم مع سيادة الوزير سيكون غدًا في تمام العاشرة صباحًا. قرأ الرسالة بصمت، ثم ألقى الهاتف جانبًا، وأغمض عينيه بتعب، واضعًا ذراعه التي تحمل الجهاز فوق وجهه.
رغم شعوره بالإنهاك، لم يستطع النوم، فقد ظل يصغي إلى أنفاس ماريا الخافتة تنبعث من الجهاز، وشعر برغبة ملحّة في الاطمئنان عليها. لكن لم يكن من اللائق دخول الغرفة وسالي بداخلها. لم يشأ أن يسبب لها أي حرج في ساعة متأخرة كهذه. لذلك، أجّل زيارته حتى الصباح.
***
كانت غرفة المكتب في الطابق الأول مظلمة هادئة بعد الثالثة فجراً، حيث الجميع نيام، ولا يعلو أي صوت سوى صوت سكون الليل، فُتح الباب بخفة وبطء، دون إحداث أية ضوضاء، خطا شخص ما بضع خطوات، حتى وصل إلى المكتب وجلس عليه بهدوء، نظر المتسلل حوله واطمأن أن الأجواء آمنة، وبدأ يعبث في أول درج من أدراج المكتب، ولكنه أغلقه بعدما تأكد أن مراده لم يكن موجود، فتح درج آخر، ثم آخر، ثم الأخير ليجده مغلق فتأكد أن مراده فيه، حاول البحث عن المفتاح في المكتب ولكن لم يجده، فنهض على مضض، وخرج من الغرفة بهدوء كما دخل.
نهاية الفصل السابع.
وتستكمل القصة في الفصل القادم.
لا تنسوا الvote من فضلكم
***
رسالة من كاتبتكم
أهلاً أعزائي القراء
🙋🏻♀️
بعتذر على التأخير، السبب حقيقي مش بأيدي، الفترة اللي فاتت كانت صعبة وطويلة جداً عليا😔، وعلشان أعوض التأخير بدأت الكتابة من تاني يوم العيد، بحاول على قد ما أقدر أكتب كتير واستغل فترة الاجازة قبل ما الشغل يبدأ تاني والمشاغل تاكل وقتي⌨️، بس بوعدكم اني مش هفرط في ولا ثانية فاضية علشان أرجعلكم بفصول أجمل🧘🏻♀️، ادعولي اخلص الرواية قريب ان شاء الله، واللي معجب بيها يا ريت يقول لكل الناس عنها، انا بكتب الرواية دي من قلبي بجد، وبحاول فيها أطرح مواضيع مهمة بشكل بسيط وجذاب وأحداث مختلفة شوية من نوعها عن اللي اتعودناه في الروايات الإجتماعية، ومتنسوش تعملوا vote وتساعدوا ان الرواية توصل بشكل اكبر للناس❤️
* اعذروني على أية أخطاء أكيد أكيد غير مقصودة.
بشكركم جداً على صبركم عليا وانتظروا الأفضل بإذن الله.
رواية المنزل:
https://alaatareks.blogspot.com
تابعوني على:
instagram: alaatareks
TikTok: alaatareks
x: alaatareks
متنسوش تقرأوا قصصي القصيرة الخيالية، متأكدة انها هتعجبكم.
رواية استقرت في قلبي، رواية ملاذي وقسوتي واتباد، رواية خيط حرير، رواية تمارا ورحيم، رواية اسيرة عشقه، رواية الشهيد لتوفيق الحكيم، رواية جاسر وحور، رواية عشق الحور، رواية فراشة في جزيرة الذهب، أرض زيكولا، رواية تمرد عاشق، رواية مكتبة منتصف الليل، روايات أحمد خالد توفيق، رواية في قبضة الأقدار، تعافيت بك واتباد، رواية واتباد، روايات واتباد، روايات، واتباد، روايات واتباد رومانسية، رواية عشق الزين، روايات فريدة الحلواني واتباد، رواية فراشة في جزيرة الذهب، رواية الشيطان شاهين واتباد

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق