السبت، 10 أغسطس 2024

رواية المنزل: الفصل السابع - ءَالَآء طارق

رواية المنزل: الفصل السابع


رواية المنزل

الفصل السابع

فضلاً، متنسوش الvote.

***

جلست السيدة منى، ثم جلس خالد، وانتظر أن تتحدث المرأة التي كانت مترددة في البداية، ثم تحدثت بصوت خافت:

"مستر خالد، أعلم أنك مشغول جداً، ولا وقت لديك للحديث، ولكن..."

نظرت المرأة إلى الأسفل والدموع تجتمع في مقلتيها:

"ولكني لم أعد أقوى على الانتظار مدة أطول من تلك."

أكملت بنفاذ صبر:

"صدقني، لم تعد لدي الطاقة أو الرغبة لذلك."

نظر خالد الذي كان منصتاً إليها بهدوء، وضيق عينيه ببرود:

"سيدة منى، أنتِ تدركين أن هذا الأمر حساس جداً؟"

نظرت المرأة بلهفة، متجاهلة نظرته التي أثارت الصقيع في جسدها:

"أعلم ذلك! ولكن هذه المشاعر ليست بيدي، لا أستطيع التحكم فيها، ولا أكف عن التفكير يوماً بعد يوم، أليس من الأفضل أن يتم حسم هذا الأمر في الوقت الحالي؟"

أضافت وهي تتهرب من نظراته الثاقبة:

"أقصد أن الانتظار وقتاً أطول من ذلك ربما لا يكون في صالحنا."

"لا يكون في صالحك أنتِ يا ست منى، أليس كذلك؟"

باغتها خالد ورمقها بنظرة جافة وهو يرفع حاجبيه، ثم ارتخت تعابيره وقال:

"علينا جميعاً أن نتحمل نتيجة أخطائنا."

قالت منى باحتجاج:

"مستر خالد، أرجوك، لا تكن قاسياً عليّ، ألا تشفق على امرأة في مثل حالي!"

"هكذا كان دائمًا الأسلوب الجاف الذي اتّبعه خالد في الحديث معها، كما أن نظرات السيطرة والتمكّن الواضحة على تعبيراته المتشددة أرهبتها، مما جعل منى تتمنى لو لم يكن الأمر بيده."

قطع الرجل أملها وقال بوضوح قاسٍ:

"سيدة منى، يبدو أنك تفهمين الأمر بصورة خاطئة، أنا لا ألومك على أخطائك أو اختياراتك، فهذا الأمر لا يخصني من الأساس، وأنا لست إلهاً أو حاكماً -والعياذ بالله- لأتبنى هذا الفكر غير السوي، أنا فقط أفكر في طريقة التعامل مع تبعات اختياراتك، ما نحن فيه الآن هو نتيجة لتلك الاختيارات، والموقف الذي تضعينني فيه في صورة الإنسان القاسي هو اتهام ظالم لي، لمجرد أنني لا أرى أن هذا هو الوقت المناسب لتصحيحه."

نهض خالد من مكتبه وتجول بهدوء في الغرفة وهو يقول:

"أنتِ لا يهمّك سوى إعادة هيكلة الوضع ليكون مُرضيًا ومناسبًا لكِ بغض النظر عن النتائج، أما أنا، فلا يهمّني سوى صحة الأطفال النفسية. هؤلاء الأولاد نشأوا هنا مع بعضهم البعض، ولا منزل لديهم سوى هذا، وهذا الخبر سيزلزل سكون أحدهم. انتظري قليلًا يا ست منى، حتى ينضجوا بشكل كافٍ لتقبل الواقع."

تبدلت نظرات منى إلى انكسار:

"ولكن... إلى متى؟"

"على الأقل، لنُمهّد للأمر، حتى يأتي الوقت المناسب، والذي لا أظن أنه الآن."

أخفضت المربية رأسها بيأس وهي تشعر بالألم يعتصر قلبها، كانت تريد الإفراج عما يحتبس داخلها من أسرار ومشاعر أرهقتها، تساءلت ولكنها لم تُفصح عن السؤال حتى لا تكون لحوحة:

'ومتى سيحين هذا الوقت؟'

***


كان يوماً دراسياً عادياً، حيث لا يأخذ الأطفال راحتهم وحريتهم إلا في وقت الفسحة. تحججت فرح لزميلاتها بالإرهاق وجلست في فصلها لبضع دقائق معدودة، انتظرتهم حتى خرجوا، ثم راقبت الباب والممر وخرجت متسللة من الفصل.

ذهبت إلى دورة المياه، وحاولت التصنت من خلال الباب، لكنها لم تسمع أي صوت مألوف من الأصوات التي تعرفها، التقطت نفساً عميقاً، ثم فتحت الباب بهدوء ودخلت، وعيناها تتفحصان المكان وهي تغسل يديها.

تأكدت المراهقة أن لا أحد من زميلاتها هنا، فخرجت إلى وجهتها التالية، والتي كانت خلف مبنى المدرسة. هذه المرة هي متأكدة من أنها ستعثر على مبتغاها، وبالفعل، عثرت عليهم.

من زاوية بعيدة مظلمة، وقفت فرح تراقب الفتيات وأصواتهن ترتفع وتنخفض حول مواضيع مختلفة. كانت تستمع إلى أحاديثهن المرحة المبتهجة، والخالية من الهموم.

وعلى الرغم من أصواتهن العالية، شعرت أن العالم حولها أصبح هادئاً، وأحاسيس مظلمة تلتف من حولها وتقيدها بقيد لا مفر منه.
كيف لهن أن يكنّ بمثل هذه الراحة بينما هي تعاني بسبب كلماتهن الجارحة؟ لم تمرر إحداهن فرصة إلا وعلقت بشكل مباشر أو غير مباشر على مسألة يتمها، أو وصفت منزلها بدار الأيتام، وعلى الرغم من ذلك، مررت فرح تلك الإهانات، لأنه لم يكن لديها أي أصدقاء غيرهن غير هذه الجماعة. لكن التنمر كان يزداد يوماً بعد يوم، وكل يوم أسوأ من سابقه، حتى انتهى الأمر بوصفها بـ"اللقيطة".

لم تكن فرح تملك أي فكرة عن سبب مشاكلهن معها، لطالما كانت شخصاً طيباً ولطيفاً معهن، حتى أنهن كنّ يأخذن منها الأموال دون أن يرجعنها، لكنها كانت سعيدة لأنها تساعد "أصدقاءها". فلماذا الآن يقابلن طيبتها بالتنمر والجحود؟

كانت أصواتهن المتداخلة، وأحاديثهن الحيوية الخالية من الهموم، تقبض على قلبها الذي كان يغلي من الحقد. قبضت الفتاة على هاتفها بشدة، وهي تنتظر اللحظة المناسبة لتبدأ انتقامها.

والآن حانت اللحظة الحاسمة. التقطت فرح صوراً للفتيات وهن يمسكن بالآلات الحادة ويضعنها على معاصمهن. صورتهم خلسة دون أن يلمحها أحد، ثم خرجت من الظل بابتسامة هادئة تُخفي وراءها حقداً، وهي تقول:

"أهلاً يا بنات."

سألتهم بابتسامة طيبة:

"ما أخبار العشاء الجماعي؟"

***


داخل مبنى وزارة التضامن الاجتماعي، جلست السيدة فايزة، أخصائية الأسرة والطفولة، على مكتبها تتفقد بعض الأوراق، عندما دخل عليها الموظف يعلمها بزيارة السيد "خالد شوقي". استغرقت المرأة لحظات لتسترجع هذا الاسم، ثم تذكرت هذا الرجل، ابن السيدة أنيسة التي تكفل 15 يتيماً ويتيمة.

تنهدت المرأة عندما أدركت سبب مجيئه، بالتأكيد أتى ليُبدي اعتراضه على أمر الوزارة. قالت المرأة على مضض:

"دعه يدخل."

بعد ثوانٍ، دخل خالد بخطوات ثابتة، وقسمات وجهه الهادئة لا تُبدي أية مشاعر خاصة. كان بجواره مساعده الذي يرتدي نظارات ولا يقل عنه مقاماً. فكّرت المرأة، لو كان بالإمكان، لشبكت أحدهما لابنتها التي لم تتزوج حتى الآن. ولكن بالنظر إلى سبب مجيئهما اليوم، فالأمور لن تسير على ما يرام حتى تصل إلى هذه النقطة.

جلس الرجلان أمام المرأة، التي تشبه الثعلب بأنفها الطويل المدبب، وترتدي نظارة ذات إطار سميك:

"مستر خالد، أهلاً بك."

مدت يدها وأمسكت كفه الخشن القاسي:

"أهلاً بكِ، سيدة فايزة."

قالها الرجل بصوت سميك، فيه من الصلابة بقدر ما في يده الخشنة.

عرضت عليهما المرأة مشروباً، فوافقا على القهوة، طلبتها السيدة فايزة عن طريق الهاتف على مكتبها، ثم شبكت أصابعها وهي تنظر إلى خالد مباشرة:

"مستر خالد، أعلم لما أتيت اليوم."

تحركت شفتا خالد في ابتسامة متكلفة:

"إذاً، لندخل في صلب الموضوع."

تنهدت المرأة قبل الدخول في الموضوع، وقالت بوضوح:

"أنا متأكدة أنكم متفاجئون من القرار، ولكن بالنظر إلى عدد الأطفال في منزلكم، فهذا يحتاج إلى تأمله بحكمة."

عدلت المرأة نظارتها وهي تسأل:

"أليس كذلك؟"

قال خالد ببرود:

"لقد وافقتم على كفالة ماريا، لماذا هذا القرار الآن، خاصة وأن الشروط كما هي لم تتغير، وافتراضاً لو تغيرت، فقد كفلناهم قبل ذلك."

تنهدت المرأة بصبر:

"أتفهم سبب اعتراضك، ولكن يأتينا كل يوم أعداد كبيرة من الأزواج، وسيدات تخطين سن الزواج يتمنين كفالة ولو طفل واحد، لو فكرنا في الأمر بصورة طبيعية، أليس من حق هؤلاء الأطفال العيش في أسرة طبيعية؟ والحصول على حب واهتمام مكثف؟"

رد خالد عليها بسخرية:

"سيدتي، أنتِ تتحدثين كما لو أننا نكفل كل أيتام الجمهورية."

نظر إلى محمود الذي رد إليه الابتسامة، ثم أكمل:

"كما أنكِ تفترضين الآن أن هؤلاء الأطفال لا يعيشون في بيئة طبيعية."

عقد حاجبيه متسائلاً:

"وهل عشتِ معنا لتستنتجي أن الأولاد لا يجدون الحب المكثف الذي تتحدثين عنه؟ أم تعتقدين أننا كفلناهم رفاهية؟"

قالت المرأة وهي تشعر بالغضب بسبب هذا الأسلوب الساخر:

"مستر خالد، لا داعي للتحدث بمثل تلك الطريقة الساخرة، علينا أن نفكر بموضوعية وليس بندّية، هذا مستقبل الأولاد، خاصة الأطفال تحت سن الخمس سنوات."

شبك خالد ساقيه وقال بصوت خطير:

"إذن، لنتحدث بموضوعية."

ابتسم ببرود وقال:

"إن أردتِ أن تتخذي مثل هذا القرار، فاستأذني منهم أولاً."

قالت المرأة وهي تعدل نظارتها:

"مستر خالد، لديك في منزلك خمسة عشر طفلاً، أنتم أصبحتم دار أيتام، وليس منزلاً طبيعياً. كما أنني لا أستأذن فيما يخص عملي، ولا استثناءات لدي، عليكم البدء في تسليم الأطفال."

فار عرق في صدغ خالد، لكنه تمالك أعصابه وقال:

"أكرر لكِ كلامي، استأذني الأطفال، فهم المعنيون بالأمر، وليس لديك الحق لتقرري عنهم مثل هذا القرار المصيري."

قالت المرأة ببرود:

"بيت به خمسة عشر طفلاً، بالتأكيد لن يحصلوا على العناية الكافية."

نظرت إليه وقالت بصرامة، منهية أية آمال لمستقبل ابنتها:

"وفي الواقع، مجيئك هنا دون فائدة. الحديث يكون مع المسؤول الذي كفل الأطفال، لا حق لك في الحديث عنهم."

قال خالد ببساطة:

"أنا أنوب عنها، فأنا ابنها الكبير."

نظرت المرأة إلى الرجل متفحصة وقالت:

"أعتذر، مستر خالد، هذا لن ينفع."

تأمل محمود الحديث الدائر أمامه، كانت تلك المرأة عنيدة كالفولاذ. التفت إلى خالد منتظراً الرد، وكانت ملامحه ثابتة، لكنه بدا مرتبكاً.
وتلك كانت أول مرة يراه فيها متردداً ومرتبكاً بهذا الشكل.

تنهد خالد، وحاول أن يغيّر من دفة الحديث:

"حسناً، لنعقد اتفاقاً: بما أنكِ لستِ متأكدة من الرعاية التي يتلقاها الأطفال، وظروف المكان الذين يعيشون فيه، فبصفتك الأخصائية قومي بعمل ميداني لتتأكدي بنفسك من استيفاء الشروط، كما يمكنكِ التحدث مع الأطفال بمفردك، أو إحضار أخصائي نفسي معكِ."

نظرت المرأة إليه متأملة عرض الهدنة الذي اقترحه خالد، وقالت بشك وهي تعدل نظارتها:

"هل أنت متأكد من هذا القرار؟ أي مشكلة سألاحظها، لن أتردد في أخذ الأطفال منكم."

نظر محمود برهبة إلى خالد، الذي رد بثقة:

"أنا واثق."

تنهدت المرأة:

"إذاً، في هذه الحالة سأكتب تقريراً ونتخذ على أثره إجراءات."

سكتت لثوانٍ ورمقته بنظرة متحدية:

"أكرر، أية مشاكل ألاحظها، سأدونها في تقريري."

أكمل خالد بثقة:

"لا بأس."

***


في المدرسة، علت أصوات التلاميذ في ساحة المدرسة، كان حسن يلعب الكرة مع زملائه، وعيناه على فرح التي رآها من بعيد تقف مع أصدقائها، ثم اختفت فجأة من أمامه. ترك اللعب دون استئذان، وتجول ببطء في ساحة المدرسة. لم يكن منتبهاً للشخص القادم، فاصطدم به بشدة. كان ذلك الشخص أحمد الذي نظر إليه بحيرة قائلاً:

"ما خطبك؟"

"لا شيء."

تأمل أخاه وسأله:

"ما خطبك أنت؟"

قال أحمد بتردد:

"كنت أبحث عنك."

نظر إليه حسن متسائلاً، فقال أحمد وهو يشعر بالخجل:

"أريد أموال، لقد أضعت مصروفي."

دس حسن يده في جيبه تلقائياً وأخرج ما به من أموال، وقبل أن يبتعد عنه أحمد بحماس، جذبه حسن من قميصه وسأله:

"هل رأيت فرح؟"

نظر إليه أحمد بحيرة وهو يفكر:

"أعتقد أني لمحتها تدخل المبنى مع زملائها."

قالها وأشار إلى المبنى، وقبل أن يذهب حسن في ذلك الاتجاه، نظر إلى أحمد بشك وسأله:

"أين مصروفك؟"

ارتبك أحمد وقال بسرعة:

"ألم تسمع؟ أخبرتك أنني أضعته."

كانت علامات الشك على وجه حسن، لكنه ترك أخاه وابتعد وهو يقول بتهكم:

"إذاً خذ حذرك ولا تضع هذا أيضاً."

سار ببطء في اتجاه المبنى، ولم يكن يعلم بأن ساقيه تتسارعان تدريجياً باحثاً عن أخته. 

تجول حسن في المبنى وهو يبحث عنها بنظره، دخل فصلها ولم يجدها، بحث في فصول أخرى وغرف وزوايا المبنى، لكنه لم يعثر عليها. وعندما اقترب من الحمام الخاص بالفتيات، وقف أمامه متردداً، فلن يستطيع الدخول بسهولة. لمح طالبة تخرج منه وهي تنظر إليه بريبة، فشعر بالخجل والتفت بيأس ليرحل، حتى سمع صوتًا صادرًا من داخل الحمام، فالتفت منتبهًا، وسمع همسًا:

"هل أنتِ متأكدة أن أحدًا لا يعلم، يا فرح؟"

قالت فرح بهدوء:

"لا تقلقي."

سمع صوتًا آخر:

"ربما يصل الأمر إلى عائلاتنا."

ثم سمع صوت فرح تتحدث ببرود:

"لا تقلقي، ليس لدي عائلة من الأساس."

كان هناك صمت مريب، تبادلت فيه الفتيات النظرات بريبة. فتنهدت فرح وقالت:

"كما أخبرتكن، هي وعدتني أنها لن تُخبر أحدًا ما دمت أقلعت عن هذا التصرف الحقير."

نظرت فرح إليهن وهي تشعر بالاختناق، فابتسمت إحدى الفتيات بتوتر وقالت، وهي تحاول تلطيف الأجواء:

"هاها، فرح، لا تكوني طفلة. الأمر ليس بهذه الخطورة. هل تعلمن ما التريند الآن؟ السم!"

ظهر عرق غاضب في رأس حسن، وقبل أن يستمع إلى المزيد من هذا العبث، تراجع بهدوء إلى الخلف بضع خطوات وهو يلتقط نفساً عميقاً، ثم تقدم بسرعة وهو يرفع قدمه، ودفع الباب بكل ما أوتي من قوة.

كانت فرح تقف مع زميلاتها، وإحداهن تمسك بآلة حادة، ومعصم فرح مكشوف. ساد الصمت للحظات، والجميع داخل وخارج الحمام ينظر بذهول إلى الفتى المتطفل الذي يقف في حمام البنات. وفجأة، اختلط المكان بأصوات البنات اللاتي صرخن، لكن حسن لم يُعرهن انتباهاً، وأمسك معصم أخته وسحبها من بينهن. لكن الصراخ لم يتوقف حتى وقف حسن في مكتب المديرة برفقة أخته وصديقاتها.

نظرت المديرة بصرامة والشرر يتطاير من عينيها:

"لا أعلم ما هو التصرف المناسب معك يا حسن، التطفل على حمام الفتيات؟ هل هذا ما تعلمته في بيتك؟ هذه قلة أدب!"

لم يرد الفتى على اتهام المديرة، ونظر إلى المرأة بلا مبالاة، مما استفزها وجعلها ترفع صوتها:

"أخبرني، لماذا فعلت ذلك؟"

ظل الفتى ملتزماً الصمت، فنظرت فرح إليه بخوف وشفقة في نفس الوقت، وشعور بالذنب يُلح عليها، هو من سيتلقى العقاب كالعادة.
لطالما كانت حياتهما على هذا النمط، هي تخطئ وهو يتلقى العقاب نيابة عنها. 

تحركت فرح تجاه المديرة لتتحدث، لكن شعرت بقبضة صديقتها تسحبها وتنظر إليها ببرود.

سألت المديرة مرة أخرى:

"تحدث معي يا ولد حتى لا أتخذ إجراءات. لماذا فعلت ذلك؟"

بعد ثوانٍ، أجاب الفتى بهدوء:

"لأنني قليل الأدب."

استشاطت المرأة غضباً وقالت:

"الجميع أخرجن من هنا!"

***


خرج خالد ومحمود من الوزارة، وبينما هما في طريقهما إلى السيارة، جاءهما اتصال من مدرسة الأولاد. وبدلاً من الاتجاه إلى المكتب، اتجها إلى المدرسة، وفي مكتب المديرة جلس خالد أمامها متلقياً غضبها بهدوء وصبر:

"مستر خالد، لا أعلم ظروف المنزل، ولكن أؤكد أن هذا الفتى يحتاج إلى الربط! اقتحام دورة المياه الخاصة بالفتيات بهذا الشكل، وكسر الباب، وترويع الطالبات، ثم الرد الجريء على مديرته؟ هذه قلة أدب!"

نظر خالد إلى حسن، الذي تفادى نظرته وأشاح بوجهه:

"أعتذر جداً عن التصرف غير المسؤول الذي بدر من حسن، وأؤكد لكِ أنه لن يتكرر مرة أخرى."

قالت المرأة بعند:

"هذا لن يلغي العقوبة، هذا الفتى سيأخذ فصلاً لمدة أسبوع ليفكر في خطئه، وعليه أن يأتي الأسبوع المقبل ويعتذر مني ومن الفتيات."

رد خالد بصبر:

"سأحرص على ذلك."

نظرت المديرة إلى حسن وقالت:

"اخرج، سأتحدث مع ولي أمرك على انفراد."

بعد خروج حسن، قالت المرأة بهدوء:

"مستر خالد، سأمرر الأمر بالفصل هذه المرة، ولكن أخشى أنكم في المنزل ربما تكون لديكم مشاكل في تربية حسن. على الرغم من ذكائه ونباهته، أشعر أن هذا الفتى منطوٍ وقليل الكلام مقارنةً بقرنائه، وتصرف اليوم مؤشر على وجود خطبٍ ما يمر به هذا الفتى."

رأى محمود خالد يسند خده على أصابعه دون مبالغة، وهو يستمع إلى المديرة، وهذا دليل على شعوره بالملل.

فأكملت المرأة كلامها بتردد، وهي تحرك عينيها بتشتت:

"أعلم أن التطرق لهذا الموضع محرج."

سكتت لثوانٍ، ثم أكملت بعزم:

"ولكن هذه مسؤولية، إن لم تستطيعوا تحملها، فاتركوها لمن يستطيع. أنت تنشئ طفلاً يكبر يوماً بعد يوم، ثم سيختلط بالمجتمع ويكون فرداً مؤثراً، وبالتأكيد لن تحب أن يكون تأثيره سلبياً في المجتمع."

اعتدل خالد في جلسته، ورمق المرأة بنظرة باردة وهو يرد عليها بهدوء:

"سيدتي، أنا هنا في مكتبك لأن حسن ارتكب خطأً في حق زميلاته، وأنصت باحترام إلى خطابك دون التفوه بأية أعذار واهية، ولكنني لم آتِ لأستمع إلى نظريات وتعليقات على ظروف البيت وطريقة التربية أيضاً. هذا شيء لا يخص حضرتك، خاصة وأن هذه المرة الأولى التي يرتكب فيها حسن مثل هذا الخطأ منذ التحاقه بهذه المدرسة."

تأمل المرأة التي تصلبت أمامه، فتنهد ثم أكمل حديثه:

"بصفتي ولي أمره، فأنا متأكد أن هناك سبباً خاصاً لدى حسن، لكنه لا يريد الإفصاح عنه."

لمح المرأة تنظر إليه بحدة، فأكمل:

"ومع ذلك، لا أبرر خطأه، بل أقر أن تصرفه كان خاطئاً وغير مسؤول، لكن أرجو منك عدم التدخل في مثل تلك الأمور التي لا تخص إلا أولياء الأمور. وأنا أؤكد لكِ أن حسن سيعتذر عن فعلته."

في الواقع، كان صبره قد نفد منذ الصباح، بسبب هؤلاء النساء اللاتي يرتدين النظارات السميكة وينظرن إليه من تحتها بعجرفة، ثم يلقين النصائح والنظريات فوق رأسه.

ردّت المرأة عليه وهي تحاول إخفاء غيظها:

"من حق المدرسة كمؤسسة تربوية قبل أن تكون تعليمية أن تتدخل فورًا إذا لاحظت تصرفات خاطئة تصدر من الطفل، هذا الولد يستحق الرفد، وليس الفصل لأسبوع!"

باغتها خالد:

"تصرفات، وليس تصرفاً واحداً، ولم تعلمي حتى سببه. وأكرر لكِ، ليس من حقكِ التدخل في أمور تخص ظروف الطالب الأسرية."

تحدته المرأة:

"هو لم يتحدث!"

"إذاً، هذا دوري، وأنا كفيل بمعرفة السبب وتأديب الفتى."

لم يكن هناك مجال لإكمال هذه الحرب، فالرجل اعتذر وتعهد بإصلاح الموقف، لكنها مغتاظة من هجومه الذي لم تتوقعه، ولم تجد رداً على كلامه، فاستسلمت وتنهدت قائلة وهي تكتم غيظها من الفتى وولي أمره:

"إذاً، سأترك الأمر لك مستر خالد، وأتمنى أن أجد رد فعل يتناسب مع خطأ الفتى. سأكتفي الآن بأسبوع فصل، لكن المرة القادمة سأصعد الأمر."

***


كان حسن وفرح يقفان أمام المكتب بهدوء، وفرح تتأمل أخاها بعيون مذنبة، نادته وهي تسحب كم قميصه بضعف:

"حسن."

قال الفتى بهدوء دون أن يلتفت إليها:

"لا تقلقي، لن أخبر خالد."

التفت إليها ببرود وهو يحاول الحفاظ على هدوئه:

"سأتقبل العقاب دون اعتراض، ولكن لدي سؤال... ماذا كنتِ تعنين بأنه لا عائلة لديك؟"

اتسعت عينا فرح من السؤال المفاجئ، لقد سمع حسن كلامها، لمحته يشدد قبضتيه ويسألها مرةً أخرى والغضب يتطاير من عينيه:

"لا عائلة لديك؟"

صُدمت فرح من الغضب الذي يتطاير من مقلتيه، لم تره غاضباً هكذا منذ فترة طويلة، لقد عاد حسن الذي عرفته منذ صغرها.
وقبل أن ترد عليه وتبرر قولها تلك الجملة، خرج خالد ومحمود من مكتب المدير، رمقهم خالد بنظرة خالية من المشاعر بينما قال محمود:

"حسن، ستأتي معنا."

نظرت فرح إليهم باستفهام:

"إلى أين؟"

رد عليها خالد وهو يتأملها بغموض:

"تم فصله لمدة أسبوع، ستبقين أنتِ."

التفتت فرح بتوتر إلى حسن، الذي تبدلت ملامحه إلى اللامبالاة، وأدركت أنها لن تستطيع التحدث معه أمام أحد. ابتعد خالد وحسن ومحمود عن نظرها حتى اختفوا تماماً. وتركوها تتساءل عما سيحدث لأخيها.

***


بعد هذا اليوم الذي قابلت فيه والدها، ظل تفكير سالي منشغلاً بعقلانية وبعيداً عن العاطفة في أمره، فقط سؤال واحد أخذ يُلح في رأسها: لماذا ظهر الآن مع هذا العرض الغريب؟

على كل حال، لم يكن في نية سالي الاستمرار في عملها هنا، وهذا الإحساس تفاقم بمرور الوقت، ولكن أمر الزواج لم يخطر على بالها، ولم تكن متلهفة للارتباط مرة أخرى، لذلك كان عليها أن تتعامل مع هذا الأمر بحكمة وهدوء دون التسبب بمشاكل.

حالياً، عليها أن تصب اهتمامها وتركيزها على مشكلة فرح، وإن لم تستطع التوصل إلى حل بمفردها دون إخبار أحد حتى نهاية هذا الشهر، سيكون من الواجب إعلام خالد أو أنيسة، ولكن عليها أن تنتظر أولاً وترى ما الذي سينتج عن تعاونها مع حسن لحل المشكلة.
تمدّدت باسترخاء تحت العريشة، وفكرت بمرح:

'من الجيد أن يسترخي الإنسان هكذا كل يوم دون فعل شيء.'

كانت الشمس دافئة، والجو معتدل، والهواء النقي يدخل ويخرج بسلاسة من وإلى رئتيها، أما أصوات الطيور فكانت نغماً بديعاً يُشتت صفاء الكون ولكن بحلاوة.

لطالما استمتعت سالي بجميع مظاهر الطبيعة، وهنا، في تلك الحديقة وتحت العريشة، كانت جلستها المفضلة التي يخترقها الأطفال بشقاوتهم. شعرت أنها ستحزن بصدق على تلك الحياة بعد رحيلها من هنا، لذلك عليها الاستمتاع بما تبقى لها في هذا المنزل.

تأملت السيدة أنيسة تلك الشابة الجميلة المُسترخية أمامها، فابتسمت وهي ترشف رشفة من قهوتها ثم قالت:

"يبدو أن مزاجك جيد اليوم."

نظرت سالي إليها وابتسمت بخجل:

"أعتقد أنني تعودت على المكان، لذلك أشعر بالراحة."

همهمت المرأة وهي تضع فنجانها:

"هذا جيد، من المهم أن يشعر الإنسان بالراحة في المكان الذي يعيش فيه. أتمنى أن يكون هذا تمهيداً لبقائك هنا."

تبدلت ملامح سالي إلى الارتباك وتفادت نظرات أنيسة، التي قالت:

"لا أحد سيجبرك على البقاء عزيزتي، ولكنني أتمنى ذلك بشدة."

كان كلامها دافئاً، لن يصدر إلا من السيدة أنيسة التي أحبتها سالي وأُعجبت بها.

أضافت المرأة:

"أعتقد أن الأطفال صاروا يحبونك، وهذا مؤشر جيد."

ابتسمت سالي بحب وهي تتخيل الأطفال:

"وأنا أيضاً أحبهم."

نظرت أنيسة إلى سالي بطرف عينيها، وبعد لحظات من التردد قالت:

"سالي، أنتِ مثل هؤلاء الأطفال في نظري. إن كان هناك خطب أو مشكلة تواجهك في حياتك، تستطيعين فتح قلبك لي، أحب أن أكون أمينة سرك في هذا المنزل."

شعرت سالي بالحيرة من كلامها، فأفصحت المرأة:

"ذكية أخبرتني أنك لم تكوني على ما يرام منذ ذلك اليوم الذي ذهبتِ فيه إلى موعدك."

ترددت أنيسة وقالت بنظرة مذنبة:

"أعتذر إن كان هذا تطفلاً من ذكية أو مني، ولكن نحن الكبار نشعر بالمسؤولية تجاهكم أيها الشباب."

نظرت إليها المرأة بخجل:

"يعني هذا الإحساس بالأمومة الذي يجعلنا كبار السن متطفلين ومزعجين."

اعتدلت سالي في جلستها التي صارت فجأة غير مريحة عندما تذكرت والدها:

"ست أنيسة، لا تعتذري، بالعكس، أنا ممتنة لمشاعرك الدافئة. أنا فقط..."

صمتت سالي لثوانٍ كانت تفكر فيهن، ثم غيرت ما كانت ستقوله وهي تتنهد:

"لا أعلم، ولكن ليس لدي ما أستطيع الحديث فيه براحة، على الأقل الآن."

ابتسمت المرأة وهي تضع كفها الدافئ على كف سالي:

"لا بأس حبيبتي، أحياناً تكون مشاعرنا متأججة، لكن لا وسيلة لدينا للتعبير عنها أو النطق بها. ولكن بمرور الوقت ستكتشفين الطريقة المناسبة للإفراج عنها."

أخفضت سالي بصرها إلى الأرض وهي تفكر في كلام المرأة الحكيمة، ثم رفعته مرة أخرى قائلة:

"أشكرك سيدتي على لطفك."

***


في المكتب، حرّك محمود رأسه ينظر بالتناوب بين الاثنين، وهو يرى حسن في مواجهة خالد، الذي استند باسترخاء على الكرسي، والنظرة الصارمة على وجهه جعلته يبدو قاسياً قليلاً. 

في الواقع، أشفق محمود على خالد، فتلك المواجهات التي خاضها اليوم لم تكن سهلة، خاصةً لو كان خصمك امرأة في الخمسينيات من عمرها وترتدي نظارة تتأملك من تحتها. ويبدو أن هناك حرباً باردة ثالثة هذا اليوم في طريقها الآن، فالصدام بين هذين الاثنين شيء لا يُطاق، وعاودته الذكريات عندما تمت كفالة حسن، فبلع ريقه تأهباً لما سيحدث بعد قليل.

رمق خالد حسن بنظرة جادة وصارمة، ثم تكلم أخيراً:

"لماذا فعلت ذلك؟"

لم يرد حسن عليه، واكتفى بنظرة جريئة، فقال خالد محركاً الكرسي قليلاً:

"هل كان هذا التصرف ضمن خططك التي أفصحت عنها عندما تحدثنا على السطح؟ التطفل على الفتيات ومضايقتهن؟"

نظر إليه حسن وهو يشعر بالظلم، ولكنه لم يسمح لهذا الشعور بالظهور على صفحة وجهه أمام خالد الذكي، والذي سيلاحظه بسرعة، فتنهد خالد وهو يتذكر شكوى أمه بسبب كلامه المحدود، لقد صار يفهم الآن مقصدها، فقال بصرامة منهياً الموضوع وهو يشعر بنفاد صبر:

"على كل حال، لن أجبرك على الحديث، لقد أصبحت بالغاً الآن، ولكن عليك أن تتقبل العقاب الذي سأحدده أنا أيضاً، ولا تنسَ، ستعتذر من المديرة وزملائك الأسبوع المقبل."

أنهى خالد حديثه وأخفض رأسه ليكمل عمله، كان يعلم أن صمت حسن يعني عدم اعتراض، لكنه سمع الفتى بعد دقائق يتحدث بهدوء:

"أنا آسف."

رفع خالد رأسه يتفحص حسن، الذي تعلّم جيداً إخفاء مشاعره بشكل محكم. في الحقيقة، كان لدى خالد ثقة عميقة أن حسن لديه سبب خاص دفعه لمثل ذلك التصرف، وفي الواقع لم يكن قلقاً كثيراً بسبب تصرفه الأحمق، لكن القلق كان يأتيه من شخص آخر. هذا الشخص كان فرح، هي كانت هي مصدر قلقه، شعر خالد أنها لم تكن طبيعية اليوم، ولا حتى في الفترة السابقة، نظرات الارتباك عندما رأته، ونظراتها تجاه حسن، دفعته للتأكد أن هناك أمراً ما بينهما.

هذان الطفلان، حسن وفرح، أول من تم كفالتهما بين الأطفال. تذكر خالد رؤيتهما لأول مرة، عندما قرروا كفالة فرح فقط، ولكن تمسك الطفلة بأخيها في الدار جعل أنيسة تشفق عليهما وتستسلم وتكفل حسن أيضاً. الطفلان لطالما كانا مقربين بشكل لا يُصدق، لذلك كان من غير الطبيعي هذا الجو البارد الذي أحاط بينهما اليوم.

عاد خالد من أفكاره ورد على حسن أخيراً:

"حسناً، أتمنى أن تكون آسفاً بحق."

رفع حسن رأسه ورمق خالد بنظرة فضولية:

"أخبرني، ما هو عقابي؟"

اتسعت ابتسامة خالد أمام فضول الفتى، فقال له وهو يحرك القلم بين يديه:

"عقاب لن تحبه."

سأله حسن بلهفة يكاد يُخفيها:

"ما هو؟"

قال خالد وهو يستند إلى الخلف:

"ستُقدِّم في البطولة."

في المنزل تفاجأ الجميع بخبر فصل حسن من المدرسة لمدة أسبوع. حاولت أنيسة معرفة السبب من الفتى وفشلت، ثم منى التي ألحّت أكثر من الجميع وفشلت أيضاً.

كانت سالي تشعر في قرارة نفسها أن الأمر له علاقة بفرح، لكنها لم تتحدث مع حسن وانتظرت حتى تتكشف الأمور، وهكذا مر اليوم دون أية أحداث أخرى.

***


خرجت سالي من غرفتها وبيدها دفتر التطعيمات الخاص بماريا، كان على الطفلة أن تحصل على تطعيم هذا الشهر. وبينما هي في اتجاه السلم، لاحظت موقفاً جعل قلبها يقف لثوانٍ، عبدالله يقف أمام علي ويسحب منه كرة بلاستيكية، كان ممسكاً بقميص الفتى الصغير، ويدفعه قليلاً تجاه السلم.

سبقت سالي خيالها وركضت، ملتقطة الطفل بسرعة وهي تصرخ:

"عبدالله، ماذا تفعل؟"

تفاجأ عبدالله ونظر إليها بشراسة، وكانت الثواني التالية سريعة جداً لتستوعب سالي ما حدث. دفعها الفتى هي أيضاً في اتجاه السلم، ثم ركض بعيداً عنهم، لتجد سالي نفسها تتمسك بالدرابزين بيد، وبالأخرى تمسك بعلي. ولولا رد فعلها السريع، كادت أن تقع من على السلم وتتكسر عظامها. همست بدهشة وهي تميل في اتجاه السلم:

"هذا الفتى... ما باله؟!"

كان الفتى جاداً في دفعها بكامل قوته حتى تقع. نظرت إلى علي، الذي كان وجهه شاحباً، وعدلت وقفتها ثم انحنت تسأله:

"علي، ما الذي حدث؟ لماذا كان عبدالله يدفعك؟"

كانت وجنتا الفتى محمرتين كعادته، ونظر إليها بذعر، وعيناه دامعتان:

"أردت أن ألعب معه بالكرة، ولكنه لا يريد."

احتضنته سالي وهي تقول:

"لا بأس، لنعثر على واحدة أخرى، ما رأيك؟"

عثرت سالي على كرة بلاستيكية أخرى وأعطتها للفتى، ثم ذهبت للبحث عن السيدة أنيسة، التي كانت في الدفيئة.

اتجهت سالي إلى الدفيئة، ولكنها لم تدخل بناءً على توصيات الست ذكية، التي أخبرتها أن السيدة العجوز لا تحب أن يدخل أحد دفيئتها، فانتظرتها حتى تخرج. وخرجت أنيسة، لتتفاجأ بسالي وهي تجلس على كرسي بجوار الدفيئة:

"سالي؟ هل هناك مشكلة؟"

نهضت سالي، التي كانت تتأمل الدفتر الخاص بتطعيمات ماريا في يدها:

"لا مشكلة، كنت أريد منك أن تسمحي لي باصطحاب ماريا إلى مكتب الصحة حتى تحصل على تطعيمها."

عقدت المرأة حاجبيها متسائلة:

"هل هو هذا الشهر؟"

"نعم."

أغلقت أنيسة باب الدفيئة بالمفتاح، وعيون سالي المتطفلة تحاول التقاط أي صورة من الداخل:

"حسناً، سأخبر منى لترافقك."

التفتت المرأة، ولاحظت فضول سالي، فابتسمت بمرح، ولكن سالي نظرت إليها بتوتر وكأن شيئاً ما يقلقها، قالت بتردد:

"سيدة أنيسة، هل أستطيع التحدث معك في أمر ما؟"

مال رأس المرأة بتساؤل:

"تفضلي عزيزتي."

وقادتها لتجلس تحت العريشة، وهي تقول:

"هل هناك أمر يضايقك؟"

ترددت سالي قبل أن تتحدث، وهذا زاد من حيرة المرأة التي جعدت جبينها في انتظارها:

"في الواقع... حدث موقف للتو مع عبدالله."

ظهر القلق على وجه السيدة العجوز عندما ذكرت سالي اسم عبدالله:

"هل ارتكب خطأً ما؟"

"لا أعلم كيف أخبرك بهذا، ولكنني صادفته يدفع علي من على السلم."

شحب وجه المرأة ونهضت بسرعة عندما استمعت إلى الجملة، قائلةً برعب:

"هل علي بخير؟"

نهضت سالي لتهدئها وهي تقول:

"لا تقلقي، لقد منعته في الوقت المناسب."

هدأت المرأة والتقطت أنفاسها المحبوسة، ولكن وجهها ما زال شاحباً:

"الحمد لله... ولكن لماذا فعل ذلك؟"

"رفض أن يلعب مع علي بالكرة ودفعه."

اقتطعت سالي الجزء الذي دفعها فيه الفتى، حتى لا تثقل من عقابه، لو قررت السيدة أنيسة، فتنهدت المرأة وهي تقول:

"هذا الفتى... ماذا لو لم تكوني موجودة في هذه الثانية، يا إلهي لقد تخدّرت أعصابي."

هدأت المرأة قليلاً، ثم تبدلت ملامحها إلى الغضب:

"أين هذا الولد!"

تراجعت سالي قليلاً إلى الخلف، وهي ترى الغضب يتطاير من عيني المرأة، كيف تحولت من هذا الكائن الوديع إلى كائن هائج وثائر بشكل مخيف. أجابت سالي متلعثمة:

"لا أعلم، رأيته يركض في اتجاه السلم، يبدو أنه خرج من المنزل إلى الحديقة."

"بالتأكيد هو في مكان ما هنا، عم حمدي!"

وانطلقت المرأة في اتجاه البوابة وهي تسأل الحارس عن الطفل، أما سالي فجلست قليلاً في مكانها، وشعور بالذنب يستولي عليها.
يبدو أنها أثارت مشكلة وأشعلت الأمور.

همست بابتسامة اعتذار:

'عبدالله المسكين'

عثرت أنيسة على الفتى المشاغب، ورأتها سالي من بعيد تمسك بيده وهي توبخه، وأذناه محمرتان من القرص.

لمح الفتى سالي من بعيد ووجّه إليها نظرة حادة متوعِّدة، تركت سالي مذهولة، وعُوقب عبدالله بالحبس في غرفته لمدة يومين.


***

سمع خالد الضوضاء تأتي من النافذة، فأيقن أن أحد الأطفال أثار مشكلة ما. لم تكن تلك الأمور البسيطة تستدعي اهتمامه، لأن الكبار في الأسفل سيقومون بالواجب بالفعل، لذلك أعاد تركيزه مرةً أخرى إلى ملف الميزانية الخاص بالمكتبة أمامه، وتأمله بضيق، مدلكاً صدغيه بتعب، وصرّح في عقله:

'هذه الميزانية لن تكفي حتى يكتمل المشروع بالشكل المطلوب'.

لم تكن التدفقات النقدية مُبشّرة بالخير، فالأفكار الكثيرة المتعلقة بالمكتبة فاقت الميزانية الموضوعة بالفعل، وكان خالد متيقنًا من ذلك منذ البداية، ومع ذلك لم تكن لديه النية لأن تظهر تلك المكتبة بصورة أقل من التي تخيّلها. كان مصمماً على أن تكون مشروعاً ثقافياً مختلفاً عن غيره من المشاريع المشابهة، شيئاً مميزاً، ساحراً، ومؤثراً بشكل كبير على الوعي والثقافة لدى الشباب والمجتمع. وهو سينشئها لتكون صرحاً ثقافياً مهماً على المدى البعيد.

المبنى بالفعل جاهز، وكبير، على مساحة أرض واسعة، فقط بعض اللمسات الأخيرة في تصميمه الداخلي وسينتهي بشكل كامل.
التراخيص منتهية بالفعل، والكتب قريباً سيتم شحنها، والعمالة يتم التعاقد معها.

لكن حفلة الافتتاح كانت هي المشكلة الكبيرة، فهي ميزانية كاملة بمفردها، وهو لا يملك تلك التدفقات النقدية الكافية لتغطيتها على الأقل الآن.

على الرغم من كون شركته رائدة في السوق وتحقق أرباحاً عالية، إلا أن تكاليف هذه المكتبة، بالصورة التي رسمها في خياله، فاقت كل توقعاته.

دلك صدغيه مرة أخرى، ولمعت فكرة في عقله، فأمسك هاتفه بسرعة وراسل محمود:

"كيف نتواصل مع وزير الثقافة؟"

أرسل الرسالة، ثم استرخى وأغمض عينيه مفكراً، هل كان قراره متسرعاً بالبدء في هذا المشروع الآن؟ نفض الفكرة من عقله، فهذه المكتبة كانت أحد أحلامه التي لطالما سعى إليها منذ دخوله كلية الهندسة. لم تكن مجرد تصميم معماري صممه بنفسه، بل مشروعه... مشروع حياته هو وأنيسة، والذي سينفذه بكل تأكيد.

وحتى يصبح هذا الحلم واقعاً، عليه الآن أن يعمل بجد ويتبع طريقاً عملياً وواضحاً حتى يصل بالمشروع إلى بر الأمان، وليس إلى الندم أو التراجع. كان هذا طبعه دائماً: رجلاً واضحاً، يضع الخطط التفصيلية ويحدد الخطوات اللازمة لتحقيق أهدافه، وكانت لديه العقلية العملية والاستعداد لمواجهة التحديات والعقبات دون الاستسلام بسهولة. بل كان مستعدًا أيضاً لتعديل خططه وأهدافه بناءً على التغيرات والعقبات التي تفرض نفسها في طريقه، كما يحدث الآن. لذلك لم يكن لديه الوقت ليندم على هذا القرار، وأهلاً بتلك العقبات التي سيتخطاها بمشيئة الله.

***

جلست نور على المكتب، وتحسست لوحة المفاتيح الخاصة بالمكفوفين الموصولة بالجهاز اللوحي الخاص بها. أمرت الفتاة الجهاز بالبحث عن معلومات عن سميرة موسى.

كانت أميرة، التي تجلس على مكتبها، قد التفتت تراقب أختها المستغرقة في الاستماع إلى المتحدث الصوتي الذي يملي عليها المعلومات، وهي تكتب خلفه على لوحة المفاتيح الخاصة بها. قاطعتها أميرة:

"نور، هل تحتاجين إلى المساعدة؟"

كانت نور في الواقع تتقبل مساعدة أختها في مثل تلك الأمور، ولكنها أصبحت ترفض أي مساعدات مؤخرًا، فالتفتت في مواجهة أميرة وقالت:

"لا عليكِ يا أميرة، أستطيع القيام بذلك بمفردي، سأطلب منكِ المساعدة فور احتياجي لها."

وبالفعل، ظلت الفتاة تأمر المتحدث الذكي باستمداد المعلومات، ثم تكتبها خلفه. تلك المهارات والأجهزة الذكية كانت من اقتراح خالد، الذي خصص لها معلّمين على مدار السنين الماضية ليساعدوها في طريقة التعلم المتقدمة الخاصة بالمكفوفين. وهذا ما جعله فيما بعد يقرر إلحاقها بالمدرسة مع إخوتها، عندما شعر أنها جاهزة وتستطيع مجاراة زملائها في الفصل.

عندما أنهت الفتاة بحثها، جعلت القارئ يعيد قراءته لها حتى تتأكد من عدم وجود أية أخطاء إملائية، ثم أمرت الجهاز بطباعته.
وبالفعل، خرجت الأوراق من الطابعة. تقدمت نور إلى أميرة التي كانت منشغلة بدراستها، وسألتها بخجل:

"أميرة، من فضلكِ، اقرأيه وأخبريني برأيك."

استلمت أميرة البحث منها، وأخذت تقرأه بترتيب وبصوت عالٍ، وبعد إنهائه قالت الفتاة بإعجاب:

"هذا البحث رائع، أنتِ حقًا ماهرة."

ابتسمت نور على استحياء وسألتها:

"ألم تصادفي أية أخطاء أو تعديلات؟"

تأملت أميرة البحث:

"لا أعتقد أنه يحتاج إلى تعديل، معلوماتك مرتبة جدًا وسردك لها مميز."

تحسست نور أقرب مقعد وقالت:

"حسنًا، إن كان لديكِ الوقت الكافي، اقرئي كل فقرة فيه ثلاث مرات حتى أحفظها، فقد مللت من صوت الناطق الصوتي."

نظرت أميرة إلى الساعة، ثم إلى واجباتها التي لم تنتهِ منها بعد، لكنها فضّلت رغبات أختها المتحمسة عليهم:

"حسنًا، لنبدأ، أنا أيضًا أشعر بالصداع من هذا الناطق."

وبدأت أميرة تقرأ كل فقرة ثلاث مرات، ونور تحفظ ثم تلقي ما حفظته. وأحيانًا تخطئ وأحيانًا تصيب. وهكذا مرّ الوقت حتى موعد العشاء.

***


أنهى الأطفال واجباتهم، واجتمعوا في غرفة المعيشة يتناولون الساندويتشات بدلًا من الاجتماع على طاولة الطعام، إلا عبدالله، المعاقَب في غرفته.

جلست أنيسة تحكي لخالد ما فعله الفتى، لكن خالد لم يكن منتبهًا لها، فعقله مشغول بمشروعه، والصخب والضوضاء يحيطان به،
ولكن لم يزعجه هذا، على العكس، كان ممتنًا لأن هذا الصخب سيخرجه قليلًا من حالة التفكير التي سبّبت له الصداع.

مسح عينيه وهو يرد على أمه، ولمح الطبيبة الشابة تحمل ماريا وتلاعبها بحب. كانت الطفلة سعيدة بمداعبات الطبيبة اللطيفة، رفعت ماريا صوتها بالضحك وهي تحاول إمساك شعر سالي الطويل، ولأنها لم تستطع، رفست بيديها وقدميها الصغيرتين حتى تنال مرادها، وبالفعل، سمحت لها سالي بإمساك شعرها بقبضتيها الصغيرتين السمينتين، ولم تتوانَ الفتاة، فوضعت الشعر في فمها، حتى صار شعر سالي مليئًا بلعاب الطفلة ورائحة اللبن.

لمحت أنيسة خالد يراقب المشهد. لم تكن هناك مشاعر خاصة على وجه الرجل كعادته، ولكن أنيسة ابتسمت بمكر ولم تعلّق. ثم أشاحت بوجهها، وبالصدفة لمحت فرح منشغلة بهاتفها، فقالت بصرامة:

"فرح، ألن تتركي هذا الهاتف قليلًا من يدك؟"

نظرت فرح إلى أمها التي كانت ترمقها بغضب، فتركت الهاتف بسرعة. لكن خالد، الذي سمع الموقف، انتبه تمامًا له. كان متأكدًا أن فرح تخفي شيئًا ما. نظر إلى معصم الفتاة الذي تربطه أساور من الصوف، ثم نظر إلى سالي وتذكّر المرة الأولى التي قابلها فيها.

أنهى أحمد عشاءه واستأذن من الكبار ليصعد إلى غرفته، تنبهت نور إلى صوته الهادئ، لا إلى صوت الناطق في السماعة التي تضعها في أذنها، فأغلقت الجهاز، وأمسكت عصاها تتحسس بها الطريق خلف أحمد. وللأسف كادت أن تتعثر، ولكنها بسرعة تفادت الوقوع وعدّلت وضعيتها، ولم تعلم أن في تلك اللحظة، كانت هناك أكثر من يد ممتدة بالفعل لمساعدتها، لولا تداركها للأمر.

وخرجت الفتاة من غرفة المعيشة تنادي على أحمد وهو يصعد على السلم:

"أحمد!"

التفت الفتى بسرعة عند سماعه النداء. لم يكن بينهما الكثير من الحديث منذ ذلك اليوم، وهذا جعل نور تشعر بالأرق. لم تستطع الفتاة تحمّل الأمر، لذلك حرصت على مصالحته، وعدم ترك الأمر على حاله، خاصةً أن أحمد لم يفترق عنها أبدًا منذ مدة طويلة.

تأمّلها أحمد، كانت الفتاة تمسك بعصاها ذات اللون الأبيض، وشعر أحمد بالكره الشديد لتلك العصا، التي كانت وسيلة لابتعاد نور عنه.
وبينما هو مستغرق في تأمّله للعصا، قالت نور:

"ما زلتَ هنا، أليس كذلك؟"

رد عليها الفتى بهدوء:

"نعم يا نور، هل تحتاجين شيئًا ما؟"

كان غاضبًا منها. وشعرت نور باستيائه، فلم يتحدث معها يومًا بهذا الأسلوب الجاف. وكان من الغريب ألا يأتي ويحاول الحديث معها ويصالحها كما اعتادت. بادرت نور بصوت واضح:

"هل لديك الوقت لنتحدث قليلًا في الحديقة؟"

لم يرفض الفتى لها يومًا طلبًا، ولم يستطع أن ينطق بكلمة "لا"، فقال على مضض وهو ينزل على السلم:

"حسنًا."

كاد أن يمسك ذراعها كما اعتاد، ولكنه رأى العصا مرةً أخرى، فوضع يده جانبًا وسار خلفها، ولكنه لاحظ أنها تجد بعض الصعوبة في توجيهها واستعمالها، لذلك كان منتبهًا وهو يسير خلفها حتى يتدارك الأضرار.

جلسا تحت العريشة في الهواء الطلق. وبعد دقائق من الصمت، قالت نور:

"أتمنى أن تقبل أسفي، لم يكن من حقي أن أتحدث معك بهذا الأسلوب."

نظر أحمد إليها وهو يشعر بالاستياء منها، وقال:

"لماذا تعتذرين الآن؟ لقد حاولت مصالحتك بعد هذا الموقف عدة مرات، ولكنكِ رفضتِ الحديث معي، ما الذي فعلته لكِ؟"

أخفضت نور رأسها وابتسمت بحزن وهي تقول:

"لم تفعل أي خطأ، أنت دائمًا لطيف معي."

قال أحمد باعتراض:

"إذًا ما الخطأ؟"

لم ترد عليه نور، فألح أحمد مناديًا اسمها:

"نور!"

"أردت أن أكسر عادتي في الاعتماد عليك."

استغرب أحمد الرد، ورآها تلتفت إليه بعينيها التائهتين وتقول:

"وأكسر عادتك أنت أيضًا في مساعدتي."

رفعت عصاها وهي تمثّل الابتسامة:

"أترى؟ أستطيع التحرك بمفردي دون مساعدتك."

رمقها أحمد ببرود:

"منذ متى؟ لطالما كرهتِ تلك العصا."

شعرت نور بجفائه، مما آلم قلبها، فسكتت لثوانٍ، ثم قالت بعد تفكير:

"وما زلت أكرهها، ولكن عليّ أن أكف عن تصرفات الأطفال تلك، وأتقبل الأمر الواقع، وهذه العصا هي واقعي، مهما حاولت الهروب منها، سأضطر لاستخدامها في نهاية الأمر، والاعتماد على نفسي."

"ولكني موجود، وماما وأبيه وإخوتنا، جميعنا حولك."

التفتت الفتاة إليه وقالت بهدوء غريب:

"إلى متى ستظلون حولي؟ وإلى متى ستتحملون هذا القيد؟"

صُدم الفتى من الرد، وبلع ريقه ثم سألها:

"ماذا تقصدين؟"

ردت عليه نور بهدوء:

"أقصد أنني كالقيد، ربما تكون معي اليوم، وربما لا يكون لديك الوقت الكافي غدًا. فكر في الأمر... أبيه خالد يذهب يوميًا إلى العمل، هل سيتركه ويبقى لأجلي؟ وهكذا الحال بالنسبة للباقين. هذه العصا..."

رفعت العصا، ثم أكملت:

"ربما لا أستطيع استخدامها الآن بكفاءة، ولكنها بالتأكيد ستحرركم مني. ستساعدني في ممارسة حياتي دون أن أكون عائقًا على أحد. أعلم أنني لن أتحرر من مساعدتكم تمامًا، ولكن ستقل بكل تأكيد."

كان كلامها صادمًا للفتى الذي نهض بعد دقائق من الصمت قائلًا:

"فكّري كما تشائين، ولكن هذه ليست الطريقة التي أفكر بها، وأراهن أن الباقين أيضًا كذلك. إخوتنا، وماما، وأبيه... نحن لا نعتبركِ قيدًا. ولكني لن أضغط عليكِ أكثر من ذلك، افعلي ما تشائين، تصبحين على خير."

نهض الفتى وسار في اتجاه المنزل، ولكنه لم يدخل، وظل يراقبها. كانت نور تجلس وحيدة وبهدوء كعادتها، وهذا جعله يتألم، وشعر بالدموع ترتفع إلى مقلتيه.

رآها تنهض بعد دقائق وتتحرك مستخدمة العصا، في البداية سارت في اتجاه خاطئ وارتطمت بأحد المقاعد التي تحسستها وأدركت من خلالها اتجاه المنزل. مرّت بجوار أحمد، الذي ابتعد ولم يصدر أي إشارة تنبّهها إلى أنه بالقرب منها.

في نفس الوقت، كانت السيدة ذكية تتابع الفتاة من نافذة المطبخ، بأوامر من السيدة أنيسة، وعندما لمحت الفتاة تدخل إلى المنزل، خرجت لتساعدها، فرأت أحمد يدخل خلف الفتاة ويشير إليها حتى لا تنبّهها بوجوده، وبالفعل لم تتحدث ذكية، ولكن حاسة الشم لدى نور كانت مرهفة جدًا، فقالت بهدوء وهي منتبهة لوجود الست ذكية، التي كانت تفوح من ملابسها رائحة الطعام التي تستطيع نور تمييزها:

"ست ذكية، أنتِ هنا؟"

نظرت ذكية إلى أحمد، الذي انسحب بهدوء وصعد السلالم دون إصدار أي صوت، ثم أجابت:

"نعم، حبيبتي، هل تحتاجين إلى المساعدة؟"

كادت نور أن تطلب المساعدة، ولكنها تراجعت وابتسمت قائلة:

"لا، أشكركِ، سأذهب إلى غرفتي بنفسي. لو احتجتُ المساعدة، سأناديكِ."

راقبتها ذكية وهي تصعد السلالم ببطء، وعندما سمعت صوت أحد الأبواب يُغلق، ذهبت إلى حالها.

في تلك الليلة خلد الجميع إلى النوم مبكراً إلا أربعة أشخاص في المنزل:

فرح، والتي كانت مستلقية تحت غطائها في الظلام، تنشئ حسابًا مزيفًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

عبدالله، يقف أمام شرفة الحمام الخاصة بغرفته هو وحسن.

أحمد، يتأكد من استغراق رحيم في النوم، ويخرج من غرفته متسللًا.

وأخيرًا، أنيسة في غرفتها.

كان صوتها يعلو وهي تحاول كتمه بقدر المستطاع، استفرغت كل الطعام الذي تناولته. لم تكن الكمية التي تناولتها كثيرة على أية حال، ولكنها كالقنبلة الموقوتة في معدتها.

استندت بوهن على الحوض وغسلت فمها بالماء، ثم نظرت في المرآة أمامها، ورأت امرأة تبلغ من العمر 76، تجاعيدها تعمّقت بشدة، وعيناها ذبلتا بمرور السنين حتى فقدتا بريقهما.

قاومت المرأة إحساس الضعف الذي عبر جسدها، ووقفت بثبات وهي تسترجع قوتها، وعزيمتها، وشكلها الوقور.

نهاية الفصل السابع.

وتستكمل القصة في الفصل القادم.

لا تنسوا الvote من فضلكم

***

* اعذروني على أية أخطاء أكيد أكيد غير مقصودة.

بشكركم جداً على صبركم عليا وانتظروا الأفضل بإذن الله.

رواية المنزل:

https://alaatareks.blogspot.com

تابعوني على:

instagram: alaatareks

TikTok: alaatareks

x: alaatareks

متنسوش تقرأوا قصصي القصيرة الخيالية، متأكدة انها هتعجبكم.


رواية استقرت في قلبي، رواية ملاذي وقسوتي واتباد، رواية خيط حرير، رواية تمارا ورحيم، رواية اسيرة عشقه، رواية الشهيد لتوفيق الحكيم، رواية جاسر وحور، رواية عشق الحور، رواية فراشة في جزيرة الذهب، أرض زيكولا، رواية تمرد عاشق، رواية مكتبة منتصف الليل، روايات أحمد خالد توفيق، رواية في قبضة الأقدار، تعافيت بك واتباد، رواية واتباد، روايات واتباد، روايات، واتباد، روايات واتباد رومانسية، رواية عشق الزين، روايات فريدة الحلواني واتباد، رواية فراشة في جزيرة الذهب، رواية الشيطان شاهين واتباد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق