رواية المنزل
ءَالَآء طارق
الفصل الرابع عشر (الجزء الثاني)
[رسالة واردة بتاريخ ؟؟/؟؟/؟؟؟؟
المرسل: مجهول
لم تردي على رسالتي الأخيرة، أتمنى أن يكون المانع خيراً].
***
في الساعة الواحدة ظهراً استلقت سالي على سريرها أخيراً بعد ثلاث ساعات من السفر، كانت والدتها وشقيقتها زينة في انتظارها ورحبوا بها ترحيباً حاراً وكأنها قد عادت من خارج البلاد، حكت سالي لهم تجربتها في المنزل الذي عاشت فيه لمدة شهر، قصت عليهم قصص الأطفال وحكاياتهم، وذكرت تفاصيل وتغاضت عن أخرى رغبة منها في الاحتفاظ بهذه التفاصيل لنفسها فقط، وكانت تقص حكاياتها ما بين تعجب من شقيقتها واستهجان من والدتها. تأملت السيدة سهام ابنتها وقالت بقلق:
"أنت شاحبة حقاً، هل ظهرك الآن بخير؟".
"نعم ماما لا تقلقي، سأقوم بعمل أشعة عليه حتى تطمئنوا جميعاً".
تنهدت المرأة قائلة:
"لقد خسرتِ وزناً أكثر من قبل، هل هذا وعدك لي؟".
لم تجد سالي التي تأكل ساندويتشاً رداً مناسباً على والدتها حتى تدخلت زينة قائلة بابتسامة ماكرة لعوبة:
"أخبريني عن مستر خالد، هل هو رجل وسيم؟".
دهشت سالي من سؤال شقيقتها المفاجئ وتمنت لو أنها اجابت على والدتها واستكملت حديث وزنها، نكزتها زين في ذراعها قائلة:
"هيا أخبريني؟ كم عمره؟ هل هو متزوج؟".
ابتسمت سالي بتوتر وقالت:
"زينة ما هذه الأسئلة؟ لماذا أهتم بتلك التفاصيل؟".
"هيا يا ليلو!". كانت أختها تناديها من حين إلى آخر بهذا اللقب.
نظرت سالي إليها مدعية الصرامة، التقطت كوب الشاي الخاص بها ونهضت قائلة:
"دعكِ من هذا الهراء، سأذهب إلى غرفتي لأرتاح قليلاً".
صاحت على باب غرفتها:
"لا تأتي وتزعجيني!".
تقلبت على السرير وكوب الشاي بين يدها وهي تفكر في أحداث الشهر الماضي، كان بالفعل شهراً واحداً ولكن أحداثه كانت أثقل من مدته، أغمضت عينيها وهي تسترجع أحداث هذا الشهر، وترسم صور خيالية لوجوه كل من كانوا في المنزل، الشخص الوحيد الذي لم تجد في ذاكرتها صورة له كان خالد، لم تكن له ملامح معينة مطبوعة في ذاكرتها، ربما لأنها لم تكن تواجهه دائماً أو تتعمد النظر إليه مباشرة، بل كانت تتهرب من الاحتكاك به من الأساس. فكرت في الحديث الأخير الذي جمعها مع السيدة أنيسة، كلماتها كانت ملفوفة بالغموض، لكنها كانت تعرف جيداً ما تعنيه. سالي، بحسها الدقيق وقدرتها على قراءة ما بين السطور، شعرت بتلك النية المخفية، محاولة السيدة أنيسة أن تقرب خالد منها. تلك الفكرة وحدها كانت كافية لتزيد من اضطراب مشاعرها. في الواقع لم يكن سالي رؤية واضحة تجاه خالد، ربما لأنها قررت منذ زمن بعيد أن تغلق أبواب قلبها بإحكام. هناك جزء منها كان يخشى الاقتراب، خشيّ أن تتسلل مشاعر جديدة إلى قلبها المكسور، وتبعثر السكينة التي بنتها بصعوبة. كانت تشعر بالضياع، بطريقة دفعتها في بعض الأحيان القليلة للتفكير في الهروب، ولكن الأطفال، تذكرتهم وهي تشعر بالدفء في قلبها، لا تريد الرحيل عنهم، بل أرادت المزيد والمزيد من الوقت معهم. أقسمت في سرها عندما تذكرتهم شعر بمشاعر أذابت قلبها، مشاعر حلوة دافئة، ترافقها ذكريات مليئة بضحكاتهم ورائحتهم اللطيفة، وأحاديثهم المسلية الطريفة، حتى مشاكلهم وشقاوتهم، كل تلك المشاعر وقفت أمام خوفها كالحصن المنيع. ستعود إليهم، وكان هذا قراراها النهائي. بينما وهي مستغرقة في التفكير سمعت صوت طرق على الباب، أدركت فوراً أنها والدتها التي دخلت بهدوء، وجلست أمام سالي على السرير، ثم بدأت الحديث بصوت خافت:
"سالي، أعرف أنك تتوقعين ما سأتحدث عنه، لكن يجب أن نتحدث".
سالي متنهدة: "ماما، أرجوكِ، إذا كان الأمر يتعلق بذلك العريس، فأنا لا أريد سماعه".
نظرت المرأة إليها بضعف وقالت:
"والدك جاء إلى هنا اليوم... وكان غاضباً جداً. أثار جدالاً كبيراً بسبب سماحي لك بالعمل في هذا المنزل".
شعرت سالي بالغضب وهي تسمع حديث والدتها وقالت:
"ماما، أنا لست طفلة صغيرة حتى آخذ الأمر بالعمل في مكان أو لا، إنها حياتي أنا وأنا أرسم طريقي بنفسي".
نهضت سالي تجاه النافذة وكأنها تبحث عن مخرج للهروب من هذه المحادثة وهي تقول:
"ولماذا يظهر أبي الآن؟ أليس هو من اختار الرحيل؟ تركنا لنعيش بمفردنا وقرر الرحيل لينشأ أسرة أخرى بعد تلك السنين الطويلة يأتي ويأمرني أن أترك عملي وأتزوج من أختاره لي، هذا ظلم ولا يرضي الله".
نهضت السيدة سهام وأمسكت كتف ابنتها تديرها قائلة وعينيها تنظران إليها بضعف:
"سالي، انسي والدك. لا تهتمي بما يقوله. أنا فقط أريد أن أراك سعيدة. حبيبتي، قابلِ هذا العريس. ابدأي حياة جديدة، كوني أسرتك الخاصة." نظرت سالي إلى والدتها بصدمة وقالت:
"ماما، هل أنتِ موافقة؟ بعد كل ما فعله بنا؟ كيف يمكنكِ أن تقبلي برجل اختاره أبي؟"
لم ترد سهام على ابنتها ولم تترك لها سالي من الأساس مساحة لترد، ابتعدت عن والدتها وخطت خطوتين إلى الوراء وهي تقول بعدم تصديق:
"أنتِ موافقة على عريس اختاره لي بابا، وتسمحين له باقتحام حياتنا بعد كل ما صدر منه، كيف هذا! لقد تخلى عنك ورحل تاركاً لك مسؤولية طفلتين، إنه حتى لم يصرف علينا قرشاً واحداً أنا وزينة، والآن أنتِ تجارينه؟".
قالت المرأة بسرعة تدافع عن نفسها:
"لا، هذا الرجل لا يهمني من الأساس، أنتِ من يهمني، ما أريده هو مصلحتك، العريس الذي تقدم إليك ظروفه أكثر من جيدة وسيفهم مكانتك كطبيبة وشابة جميلة، يا ابنتي أرجوك لا تكوني عنيدة إن العمر يتقدم والفرصة اليوم ستكون غداً حلماً صعباً".
"ماما! لا يمكنني قبول هذا. كيف تريدين مني أن أسمح لرجل تخلى عنا بأن يحدد لي مستقبلي؟ بعد كل ما مررنا به، كيف يمكنني أن أثق في قراره؟".
قاطعتها السيدة سهام بإلحاح:
"أرجوك يا سالي، أرجوك حبيبتي أريد أن أراك سعيدة، أنا أحلم بك ليل نهار وأنتِ ترتدين فستان الزفاف الأبيض، أرجوك يا ابنتي لو كان غرضك هو الحب، فالحب يأتي بعد الزواج".
سالي بسخرية مريرة:
"ماما، أنتِ تتحدثين عن الحب؟ ألم تقولي هذا لنفسك قبل أن توافقي على الزواج من بابا؟"
ضحكت سالي بسخرية وقهر ثم التفتت لتجلس على سريرها قائلة:
"ماما أنت حقاً غريبة".
تأملت الأرض بحزن وكررت نفس الجملة حتى لا تقول المزيد من الكلام الذي قد يجرح والدتها:
"أنت حقاً غريبة".
قالت المرأة بغضب وأنحنت مقتربة منها:
"إذا لما أتيتي؟ لماذا أطعت كلامه وجئتِ؟".
صدمت سالي لثوان ثم قالت بتوتر:
"جئت لأنهي الأمور، جئت حتى لا يضايقكم ويكرر زياراته، هذا الرجل لا علاقة لنا به الآن".
أكملت بحزن عميق:
"وأيضاً جئت لأقابل هذا العريس إن كنت لا تعلمين كيف تفكر ابنتك، لم تكن لدي النية لرفضه دون لقاءه، أنا فقط كنت أشعر بـ....".
قطع حديثها الهاتف الذي التقطته بسرعة ولهفة وهي تتفحصه قائلة:
"ماما استأذنك إنها السيدة أنيسة".
نظرت المرأة إليها بغرابة ثم اتجهت إلى باب الغرفة قائلة:
"حسناً سأتركك الآن، لنتحدث فيما بعد".
خرجت السيدة سهام من الغرفة وهي تشعر أن ابنتها سالي غريبة بعض الشيء، لم يكن هذا الشعور الذي يراودها منذ وصول ابنتها بسبب جدالهما فقط، ولكن حديثها عن تلك العائلة ونظرة الحب في عينيها وهي تحكي مواقفها مع الأطفال، لهفتها للحديث مع السيدة أنيسة كانت تلك ملاحظات جعلت السيدة سهام تشعر بالضيق في صدرها. لم يكن هذا الحماس في نظرات ابنتها وردود أفعالها موجوداً من قبل، لطالما وصلها شعور من ابنتها أنها فاقدة للشغف والرغبة، خاصة بعدما انفصلت عن خطيبها، كانت طفلتها تذهب إلى العمل وتعود منه كالإنسان الآلي، تنام وتستيقظ على نفس الروتين الملل، حتى استيقظت في يوم من الأيام مقررة أنها ستقدم استقالتها، كان قراراً مفاجئاً وخطيراً جعل السيدة سهام تخوض جدالات وأحاديث عميقة مع ابنتها لتفهم سر هذا القرار وتحاول أن تثنيها عنه، ولكنها لأول مرةً في حياتها تفشل في اخضاع ابنتها لرغبتها، في البداية كانت تشعر بالغضب منها، ولكنها فيما بعد حاولت أن تتفهم شعورها ووجدت نفسها تتساءل، هل كانت ابنتها تعيسة؟ هل قرار الاستقالة كان دليلاً على أن تلك الطفلة تعاني في حياتها، لذلك وفي النهاية خضعت أمام رغبة سالي وتركتها لتقرر مسارها بنفسها، حتى جاءها عرض الدكتور نوفل، أن تعمل كطبيبة مقيمة في منزل. وهنا اطمأنت السيدة سهام على ابنتها مرةً أخرى، وذهبت سالي لمدة شهر وعادت الآن شخصاً آخر، لم تكن عينيها تلمعان من قبل بهذا الشكل الساحر، وكأن هناك طاقة دبت في جسدها واستولت على روحها، حتى طريقة جدالها الآن معها كانت مُخيفة، لأول مرةً تشعر السيدة سهام بالخوف من ابنتها العاقلة الرزينة سالي، كانت حقاً خائفة.
***
سمعت السيدة صوت سالي الهادئ الذي يبعث على الراحة وهي تشكرها على اتصالها واطمئنانها عليها، وأنهت الاتصال وفرح بجوارها تحتك بها منذ دقائق، ابتسمت أنيسة وهي متأكدة من أن تلك الطفلة تريد منها شيئناً:
"ابتعدي يا فرح لا يجوز أن تحتكي وتقتربي من الناس بهذا الشكل".
قبلتها فرح على خدها قائلة:
"ولكنِ أحبك ماما!".
أبعدتها أنيسة بابتسامة وهي تقول:
"وأنا أيضاً ولكني أيضاً لا أحب تلك المقدمات، هيا أخبريني ما تريدين؟".
"هل تتذكرين العشاء الذي أخبرتك عنه من قبل؟".
نظرت المرأة إليها وهي تحاول التذكر:
"آه نعم تذكرت، ما الخطب؟".
"الخميس القادم سيكون موعده، هل أخبرتي أبيه؟".
"لقد نسيت بالطبع، لم تذكريني".
"إذاً هيا أخبريه، وإذا رفض أرجوك أقنعيه ماما أنا أريد الذهاب بشدة أصدقائي جميعهم سيكونون هناك".
"لا أستطيع اقناعه يا فرح دون أن أعلم التفاصيل مثل المكان والساعة، ومن سيصحبك؟".
توترت فرح عن سمعت أن أحداً سيوصلها:
"ماما لا داعي لذلك سأذهب بنفسي لقد كبرت".
"لا يجوز يا فرح، مازالت صغيرة في السن ولنفترض أن الميعاد سيكون متأخر ماذا ستفعلين؟".
تأملت الفتاة الأرض لثوان ثم قالت بتعد تفكير:
"حسناً أقنعيه فقط الآن"
"أريد التفاصيل، الميعاد والمكان الذي ستقيمون فيه العشاء وأنا سأخبره".
"حسناً ماما اريد منك خدمةً أخرى".
تنهدت أنيسة قائلة:
"ما هي الخدمة وأتمنى أن تكون الأخيرة".
قالت فرح بظرافة:
"أريد مصروفاً أكبر هذا الأسبوع. بالتأكيد تفهمين أنه عشاء ويجب أن يكون معي أموالاً كافية".
نظرت أنيسة إلى فرح بغرابة وتذكرت أمر الرواتب الناقصة ثم قالت وهي تتأملها بعمق:
"أموالاً كافية؟ ألا يكفيك مصروفك؟".
"بالطبع لا ماما، مصروفي لن يكفي لعشاء مثل هذا فأصدقائي يقترحوا أن نختار مكاناً راقياً، وبالتأكيد المكان الراقي يحتاج أموالاً كثيرة، أليس كذلك؟".
لم ترفع أنيسة عينيها عن فرح ثم قالت بغموض:
"حسنا". واكتفت بهذا الرد.
قبلتها فرح على خدها بقوة وهي تقول:
"أحبك". ورحلت المراهقة وأنيسة تتأملها بشك يراودها، تساءلت في نفسها:
'هل فرح لها علاقة بالأمر؟ لا أعتقد هذا، تلك الطفلة لم تسرق يوماً. إذاً ربما يكون أحد الأطفال، لماذا تشككين في الأولاد يا أنيسة ربما يكون أحد الموظفين، أو أنك أخطأت العد من الأساس؟'.
الكثير والكثير من الأسئلة التي راودتها على مدار اليومين الماضيين أثارتها فرح مرةً أخرى الآن، مسحت المرأة وجهها بقوة وهي تتنهد بحيرة متمنية ألا يكون السارق بين الأطفال.
***
كان خالد يراسل أحد منفذين مشروع المكتبة وعقله مستغرق في اتجاه آخر، لقد أصبح يشرد هذه الأيام ويفكر كثيراً، للدرجة التي أثرت على عمله. لأول مرة منذ فترة طويلة يتمنى ترك العمل والذهاب للاسترخاء، كان يشعر أنه يحتاج إلى الراحة والهدوء، فصخب عقله لا يتوقف أبداً والصداع عندما يرافقه يكاد يدفعه إلى الجنون. شعر خالد بأن هناك نظرات مسلطة عليه، لو كانت سهاماً لأودت به في الحال. كان محمود يراقبه من تحت نظارته، ولم يكن هناك سوى أصوات الكتابة على لوحة المفاتيح، شعر خالد بنظرات محمود ولكنه تجاهلها، ومع إصرار الرجل أمامه، تنهد خالد وترك لوحة المفاتيح:
"ماذا لديك؟".
"لماذا أمرتني ألا أمر عليك اليوم؟".
قال خالد وهو يلتقط ورقة مدعياً قراءتها:
"كان عليَّ أن أوصل الآنسة سالي إلى المحطة".
وهنا بدأت الحرب الباردة بين الرجلين، قال محمود:
"وما المشكلة لو كان أنا من يقود السيارة".
"على أحد منا أن يذهب مبكراً إلى العمل، وجاءت الظروف ليكون هذا الشخص هو أنت".
"آه".
صمت محمود قليلاً:
"إذاً متى سترجع؟"
"بعد أسبوع على الأغلب".
تأمله خالد قائلا:
"لماذا أنت مهتم إلى هذا الحد، هل يعقل أنك معجب بها؟".
"وما المشكلة في ذلك، أيعقل أنك أيضاً؟".
نظر الاثنان إلى بعضهما البعض بشك لثوانٍ معدودة وكل منهما يحاول سبر أغوار الآخر، حتى رمى خالد الأوراق قي يده بصوت عال ونهض:
"هذا هراء، يبدو أنني تهاونت معك الفترة الماضية، هناك أعمال يجب إنجازها ستسهر عليها اليوم، ستذهب إلى المكتبة وتتفقد ترتيب ووضع الكتب الجديدة، ثم الذهاب إلى المصنع ومراجعة شحنة الألعاب التي ستصدر قريباً".
نهض محمود معترضاً:
"أنت ظالم لماذا تفعل هذا بي، نحن معاً في هذا".
التفتت خالد اليه وهو يقول بابتسامة:
"العمل ينتظرك يا صديقي".
وكانت تلك أول مرة يهرب فيها خالد من عمله الذي يحبه.
وهكذا عاد من عمله في وقت مبكر، فلم يكن لديه الرغبة للبقاء ساعات أكثر في مكتبه كما تعود دائماً. نظر إلى الطاولة الممتلئة كالعادة، ولكنه شعر بالنقصان على الرغم من امتلاء غرفة الطعام بالصخب والفوضى، تأمل طعامه بشرود وسمع أميرة تسأل:
"ماما، متي سترجع الدكتورة سالي؟".
"لماذا تسألين هل افتقدتها؟".
عدلت أميرة نظارتها بكبر قائلة:
"آه، إنها لطيفة وتحب القراءة مثلي".
"هذا جيد أن يشاركك أحد هوايتك. في الواقع لم أسألها عن موعد عودتها، من المفترض أن تعود خلال أسبوع، ولكن لست واثقة من ذلك؟".
"لماذا؟". سألها رحيم
ابتسمت السيدة أنيسة وهي تقول بمكر:
"هناك احتمال أن توافق على العريس الذي تقدم إليها ولا نراها مرةً أخرى".
ترك خالد ملعقته بطريقة أثارت صوتاً عالياً، فالتفتت إليه أنيسة لثوانٍ ثم التفتت بابتسامة مستمعة إلى سؤال فرح:
"هل ستتزوج؟ ولكن لماذا لم تخبرني عن هذا الأمر؟".
"إنه أمر شخصي جداً يا فرح ربما لم ترغب في الخوض في تفاصيل حياتها الشخصية".
قالت وهي تقلب طعامها بخذلان:
"ظننت أننا صديقتان".
قالت ليان:
"ماما هل الدكتورة سالي سترتدي فستان زفاف؟ هل سنحضر زفافها؟".
"نحن لا نعلم بعد يا ليان، فربما لم تقابل هذا العريس حتى الآن".
قالت فرح بتذمر:
"أتمنى أن يكون رجلاً بشع حتى ترفضه".
"فرح عليك أن تدعي لها بالخير وتمني أن يرزقها الله بزوج يكون رجلاً شهماً وصالحاً".
"ولكن لو استجاب الله دعوتي لن أراها مرةً أخرى".
"حبيبتي نحن ليست لدينا أية فكرة عما يخبئه لنا المستقبل، ولا نعلم ما هي كلمة القدر النهائية".
التفتت أنيسة مرةً أخرى إلى خالد ثم أكملت وهي ترجع نظراتها إلى فرح:
"علينا فقط أن نتمنى لها السعادة والخير، أليس كذلك؟".
قال رحيم:
"إنها تحبنا أعتقد أنها سترفضه".
قالت سارة بثرثرة:
"ماما أنا أريد أن أرتدي فستان زفاف".
وافقت لارا على كلام اختها:
"وأنا أيضاً، سنكون جميلات يا سارة".
وبدأت ثرثرة الأطفال الصغار الذين أصبحوا متحمسون للغاية حتى يحضروا الزفاف الذي لم يحدث بعد. وهنا نهض خالد دون أن يمس طعامه قائلاً:
"استأذنكم سأذهب لأرتاح قليلاً".
نظرت فرح إلى خالد ثم إلى أنيسة التي أشارت إليها أنها ستتحدث معه بخصوص العشاء.
***
جلس خالد في غرفته على كرسٍ مريح يقابل نافذة غرفته، كانت الأضواء خافتة جداً وهو يتأمل النيل من النافذة، ها هو القمر يتوسط السماء منيراً، يلقي بضيائه الفضي على صفحة النيل الهادئ، وتنساب أشعته برقة، كأنها نسيج من حرير، لترسم لوحة طبيعية خلابة تأسر الألباب. تتراقص الأضواء على سطح الماء من بعيد، فتتحول إلى ألوان من الفضة الزاهية، تعكس جمال السماء وصفاء الليل.
تأمل المياه من بعيد كمرآة عاكسة لصورة السماء، بينما تندمج حركة الأمواج الهادئة مع هدوء الليل، لتخلق مشهداً يستحق التمعن والتأمل. مشهدٌ يجعل الإنسان يشعر وكأن الطبيعة قد أجمعت قواها لتقديم هذه اللحظة الفريدة، حيث يجتمع سحر القمر مع عظمة النيل ليصنعا لوحة لا تُنسى، كانت تلك حالة التأمل التي ينخرط فيها خالد من حين إلى آخر، جال بعينيه في النيل مرةً أخرى ووجد فيه وصفاً لشخص ما أسر تفكيره الأيام الماضية، كانت كالنيل ليله ساكن غامض، وصباحه مشرق يهب الناس من سحره وخيره. هادئة وعميقة، لكن تحت سطح تلك الهدوء كان هناك تيار قوي يسحبه نحوها ببطء، دون أن يستطيع مقاومته أو حتى فهمه. شعر بالضيق في قلبه، مشاعره كانت مرتبكة غير مستقرة، وكأن شيئًا ما يثقل صدره دون أن يدرك سببه. تأمل خالد أكثر فأكثر، في حركة الماء التي بدت وكأنها تجسد تيارات مشاعره المتضاربة. كانت أفكاره تعود باستمرار إليها، ولكن كان هناك شيء ما يجعله يتردد، وكأن هناك حاجزًا غير مرئي يقف بينه وبين فهم هذه المشاعر، شعر وكأن قلبه يريد أن يخبره بشيء، شيء لا يستطيع وضعه في كلمات.
ظل خالد غارقًا في تأملاته، حتى سمع من بعيد طرقاً على باب شقته يقطع تأملاته، فنهض بهدوء شديد، وفتح باب شقته ليجد أنيسة تقف أمامه:
"هل أستطيع الدخول؟".
أفسح خالد المجال لأمه حتى تدخل براحة، لم يكن لديه مزاج ليتحدث، ولكنها أمه في نهاية الأمر، قالت المرأة وهي تجلس على أريكة قريبة:
"أعتقد أنه لا مزاج لديك حتى تتحدث".
اكتفى خالد بالصمت، لتقول أنيسة:
"لا أعلم إن كان هناك أمر ما تود الإفصاح عنه لي، لكن إن أردت أنا اسمعك".
حاولت أنيسة جذب الحديث معه ولكنه كان عنيداً كالعادة، فتنهدت وقالت:
"حسناً كما تشاء، لقد أتيت هنا لغرض آخر يخص فرح".
"ماذا هناك؟".
أخيراً أجاب خالد مثبتاً أنه لا يريد أن يكون هذا الحديث عن نفسه، فقالت أنيسة:
"هنا حفل عشاء يريد الأطفال في صفها الذهاب إليه، وبما أنه سيكون عشاء فبالتأكيد ستتأخر، لذلك استأذنت أن تسمح لها بالذهاب".
"متى سيكون؟ وأين؟".
"يوم الخميس الساعة السابعة مساءاً".
ثم أخبرته عن مكان العشاء الذي يستغرق من المنزل ثلاثون دقيقة. فكر خالد قليلاً ثم قال:
"حسناً سأوصلها بنفسي".
سيطرت لحظات من الصمت على أجواء الغرفة، فنظر خالد إلى أمه التي كان لديها المزيد من الكلام:
"هناك أمر آخر؟".
"هي تريد مبلغاً من المال أيضاً، بما أنه سيكون عشاء ويتكفل كل طفل بطعامه".
"ألم تدخر من مصروفها؟".
"خالد، أنت تعلم فرح مبذرة".
تنهد خالد قائلاً:
"حسناً، سأعطيها المال، ولكن عليك سؤالها عما أنفقته".
نظرت إليه أنيسة بتردد فلمحها خالد وابتسم قائلاً:
"ماذا أيضاً؟".
نظرت إليه انيسة بحزن وتردد قبل أن تقول وهي تنظر إلى بطرف عينيها:
"هل تعتقد أن السارق أحد الأطفال؟".
عقد خالد حاجبيه بحيرة متسائلاً:
"ما الذي يجعلك تفكرين هكذا؟ هل تشكين في فرح".
"أنا لا أشك في أطفالي، ولكن لا أخفي عليك، عندما طلبت مني فرح الأموال، خفت قليلاً من أن تكون هذه الحقيقة".
"لا أعتقد أن فرح قد تسرق، فإذا احتاجت الأموال ستطلبها كما فعلت الآن".
قالت أنيسة بحزن:
"اتمنى ألا يكون أحد الأطفال".
"لا أريدك أن تفكري كثيراً في هذا الأمر، السارق سيظهر نفسه دون الحاجة إلى وضع احتمالات".
"لا أستطيع منع نفسي من التفكير في الأمر، كما أنني قلقة من تلك المرأة من الوزارة لم تتواصل معنا حتى الآن، أخاف أن تفاجئنا".
"لا حاجة إلى الخوف، أنت تعطين الأمر أكبر من حجمه ماما، الأطفال مهذبون".
نظرت إليه أنيسة بشك وهي تسأله:
"هل أنت متأكد؟ حسن تم رفده اسبوع، ماذا لو وصلها هذا الأمر؟".
"ماما حسن في السادسة عشر من عمره، اقترب من عمر البلوغ، كما أنه لا يجوز لها محاسبته على خطأ حدث في مدرسته وتم عقابه عليه".
نظرت إليه أنيسة بفضول:
"ألا تريد إخباري ما الذي فعله؟".
ابتسم خالد على فضول أمه ثم قال:
"لا أستطيع اخبارك لقد وعدته".
وفجأة وكأنها تذكرت أمر ما، فقالت والحزن يغلب ملامحها:
"ماذا سنفعل مع السيدة منى؟".
تبدلت ملامح خالد إلى الضيق عندما سمع أسم منى وقال:
"لا أريد الحديث في هذا الموضوع الآن".
"خالد لا أريدك أن ترتكب خطأ تندم عليه باقي حياتك، أرجوك عليك أن حلاً لهذا الموضوع".
لم يرد خالد عليها، وشعرت أنيسة أنها قد أنهت هذا الحوار بنفسها، فنهضت وهي تقول:
"حسناً سأذهب الآن يا بني، انتبه لنفسك".
رحلت أنيسة تاركة خالد لنفسه مرةً أخرى، ولم تمض ساعة وسمع طرقاً مرةً أخرى على باب شقته، لم ينتبه إليه في البداية حتى سمعه ونهض ليفتح الباب مرةً أخرى ويتفاجأ بنور تقف أمامه، عقد خالد حاجبيه باستغراب:
"نور؟".
"أبيه، هل لديك وقت؟".
"بالطبع تعالي". أمسك خالد ذراعها بيده الثابتة الكبيرة التي شعرت بالتوتر والتردد صادران من جسد الطفلة، لم تظهر نور أنها ضاقت من مساعدته لها في المشي، ولكنها تعلم أن إحساس المسؤولية والأبوة يصدران منه تلقائياً. جلس خالد بجوارها، ومسح على شعر الطفلة بحب وهو يقول:
"أخبريني هل هناك ما يضايقك؟".
رفعت نور رأسها وهي تشعر بالاستغراب من إدراكه لمشاعرها دون أن تنطق بحرف، وفي نفس الوقت شعرت بالأمان من صوته ويده الحنونة، هو يعلم أنها متضايقة من أمر ما. كانت تحمل في قلبها ألماً عميقاً وشعوراً بالضياع بعد تجربة التنمر وتخريب جهاز الكتابة المحمول الخاص بها. فقدت نور الوسيلة الوحيدة التي كانت تمكنها من التعامل رأساً برأس مع زملائها، وشعرت بالخوف والإحباط، لأنها لا تستطيع إخبار خالد، الشخص الذي يعتني بها ويحبها، بالحقيقة. التنمر الذي تعرضت له جعلها تشعر بالعجز والخوف من التحدث بصراحة، فالعالم من حولها يبدو مظلماً هذه الأيام ومخيفاً، وليس فقط بسبب فقدان بصرها، ولكن بسبب الطريقة التي يعاملها بها بعض زملائها. الألم الذي تشعر به نور لا يتجلى فقط في خسارة جهازها، بل في الشعور بأنها وحدها في مواجهة هذه التجارب المؤلمة، غير قادرة على الدفاع عن نفسها أو شرح ما حدث لها. كانت مترددة في التحدث بصراحة مع خالد خوفاً من أن تشعره بخيبة أمل، أو ربما لأنها لا تريد أن تثقل عليه بمشاكلها. ورغم ذلك، تشعر ببعض الأمان بالقرب منه، وأخيراً نطقت بعد تفكير:
"أبيه أريد اعتذر منك".
"لماذا تعتذرين يا نور؟".
قالت نور بتردد، وهي تشعر بأنها تريد الهروب بعيداً:
"لوحة المفاتيح الخاصة بي معطلة، كنت مهملة في الحفاظ عليها، أنا أعتذر".
تأمل خالد الطفلة بحيرة وحاول البحث عن رد مناسب. في العادة هو لا يفرق بين التعامل مع الأطفال ونور ورحيم لأنهم ذوي احتياجات خاصة، بل كان دائماً يعدل بينهم ومراعياً للظروف الخاصة في نفس الوقت، ولكن نور كانت دائماً شخص يجبره على التفكير دائماً قبل الحديث، تصرفاتها لطالما كانت أكبر من عمرها وتتجاوز اعاقتها والأهم أنها ليست الشخص الذي يشتكي. مجيئها اليوم كان دليلاً أن الطفلة في مشكلة، سألها بهدوء:
"هل كان هناك سبب لتتعطل؟ حتى تتجنبيه المرة المقبلة؟".
لم ترغب نور في الرد على هذا السؤال، لا تريد اخباره أنه يتم التنمر عليها في المدرسة وأن أحداً ألقى العصير على لوحة المفاتيح الغالية حتى تعطلت. وهنا ردت الكرة عليه ولم يجد رداً من نور كما لم تجد أمه منه رداً، وأعترف أنه شعور بغيض، وهو لن يستطع اجبار أحد على الكلام غصباً. لذلك لم ينتظر المزيد من الوقت لترد عليه الطفلة وقال:
"حسناً لا مشكلة، كل جهاز له عمر افتراضي وهذا عمره الافتراضي قد انتهى، سأطلب واحداً جديداً لك".
كان هناك ألماً على وجه الطفلة وأخفضت رأسها دون أن ترد عليه، فوضع خالد يده على رأسها يمسح شعرها بلطف قائلاً:
"لا أريدك أن تشعري بالحرج أو الخوف من مصارحتي بما تمرين به من مشاكل، ربما أغضب وربما أتهاون، ولكني هنا في النهاية معك أسمعك وأتفهمك".
"أبيه أنا أعتذر، لم أقصد أن أخرب الجهاز".
"لا حاجة للاعتذار يا حبيبتي، أنا واثق أنك لم تقصدي أن تخربيه".
خالد، من جانبه، حاول بكل ما أوتي من حب وحنان أن يطمئنها ويقدم لها الدعم، لكنه يدرك أن هناك شيئاً أعمق يزعجها، وأنها بحاجة إلى وقت لتبوح بما في قلبها. يشعر بقلقها وألمها، وهو يحاول الآن بلمساته وكلماته أن يخفف من هذا الألم:
"هناك شيء آخر يضايقك؟".
كان الثقل في قلب نور هو ثقل الصمت والإحساس بالعجز، الشعور بأنها محاصرة بين ألمها الداخلي ورغبتها في أن تكون قوية ومستقلة، لكنها في الوقت نفسه تشتاق للدعم والاحتواء. هي في الواقع تريد أن تبوح بما يؤلمها، ولكن الكلمات كانت ثقيلة وجعلت القلب يزداد ثقلاً مع كل لحظة تمر، فتشبثت بقميص خالد:
"لا أعرف كيف أتحدث أبيه، الكلام لا يريد الخروج من فمي، أنا أحاول ولكني لا أستطيع".
ذهل خالد من الألم الذي أظهرته الطفلة، وشعر بمزيج من الحزن والقلق عندما أدرك أن نور تمر بتجربة مؤلمة وأنها لا تستطيع البوح بها، شعر بالحزن لأنها كانت تخفي عنه معاناتها، والقلق لأنه يعرف أن ما تتعرض له أكبر من مجرد عطل في جهازها. في الوقت نفسه. شعر بالمسؤولية الكبيرة تجاهها وأراد أن يكون داعماً لها، كان يرغب في كسر حاجز الصمت بينها وبينه. وشعر أيضاً بالعجز بشكل ما، لأنه رغم محاولاته، لا يمكنه تخفيف ألمها تماماً أو حمايتها من كل شيء، فقال وهو يضمها إليه:
"وأنا أنتظرك دائماً لأسمعك، وقتما شعرتي بأنك تستطيعين الكلام، ستجديني هنا لأجلك".
قال تلك الجملة منتظراً اللحظة التي تستطيع فيها نور أن تتحدث وتبوح بما يثقل قلبها.
***
في المساء كانت السيدة سهام قد خلدت إلى النوم مبكراً بعد تبادل القليل من الكلام البارد الذي كان على هذه الوتيرة منذ جدال الصباح، وجلست سالي تشارك زينة مشاهدة الأفلام في صالة شقتهم الصغيرة، فكرت بعمق في الجدال الذي حدث مع والدتها، لم تتوقع أبداً أن يكون اللقاء مشتعلاً هكذا، شعرت بالندم بسبب انفعالها عليها ولكنها فقدت السيطرة على نفسها عندما رأت هذا الضعف المثير للغضب صادراً من والدتها، كانت مغتاظة بحق وتشعر بالغضب أكثر من والدها الذي جاء بكل برود وعكر صفو علاقتهم. وبينما وسالي مستغرقة في التفكير نظرت زينة التي كانت تأكل الفشار إلى أختها التي كانت شاردة الذهن، هذه الملامح التي اشتاقت إليها لمدة شهر كانت تعيسة منذ الجدال مع والدتها في الصباح، أخفضت زينة صوت التلفاز، وأخذت حبة فشار ووضعتها في فم شقيقتها التي تفاجئت من الحركة المباغتة، قالت زينة بصوت مرح:
"أنا لم أنتظرك لمدة شهر حتى يكون هذا لقاؤنا في النهاية".
مازالت سالي تحت تأثير مباغتة أختها، ولكنها سرعان ما ابتسمت واحتضنت شقيقتها بسعادة:
"اشتقت إليك حقاً يا زيزي!".
احتضنت الشقيقتان بعضهما البعض بحب وهما يتهاوشان بخفة:
"وأنا أيضاً! أتعلمين نحن لم نتحدث كثيراً منذ سفرك، كنت أشعر بالوحدة حقاً".
"ولكن أين أصدقائك؟".
"أخرج معهم من حين إلى آخر ولكن معظمهم صار مشغولاً، فقد حصلوا على وظائف".
"وأنت ألم تجدي بعد؟".
"مازلت أبحث عن وظيفة، ولكن لم يحالفني الحظ".
تأملت سالي أختها زينة، كانت جميلة حقاً، أجمل منها دائماً، أو هكذا كانت ترى الأخت الكبيرة شقيقتها الصغيرة التي بدت على ملامحها الجميلة أمارات التعاسة، وضعت يدها على شعرها بحب ومسحته:
"لا تقلقي يا زيزي، ستجدين وظيفة تليق بك".
نظرت شقيقتها إليها وهي تحاول ألا تبدي الضيق على ملامحها ولكنه كان واضح جداً:
"لا أريد أن أتأخر عن زميلاتي، هل تعلمين يا سالي؟ أشعر أحياناً بالضيق عندما أخرج معهن، أشعر أنني أقل منهم دائماً. لا أريدك أن تأخذي كلامي أنني أريد مصروفاً أكبر، أنا فقط أبوح لك بما في قلبي".
أكملت زينة بعد لحظات:
"أنا حقاً ممتنة لك، لقد تحملتِ مسؤوليتي مع ماما دون تذمر، وأريد أن أخلصكم من هذا العبء".
اغرورقت عيون سالي بالدموع وقالت:
"زينة لا تكوني ممتنة، أنت لست عبئاً علينا أبداً، هذه المشاعر لا أساس لها، أنا أقوم بدور اخترته بنفسي، لم يجبرني أحد على المشاركة في مصروفك".
تأملتها شقيقتها بحزن وشفقة:
"ولكنكِ تحملتِ مسؤوليتي في وقت كان مرتبك لا يكفيك أنت شخصياً".
"وكنت سعيدة حقاً بهذا، أن أتحمل شقيقتي الصغرى كان أمراً يملؤو قلبي بالسعادة، فأنا صرت مسؤولة وقادرة على تخفيف الحمل عن ماما، وها أنا هنا الآن مرتبي أصبح الضعف بل وأكثر، وأستطيع تحمل مسؤولية المنزل بأكمله"
زينة ونظراتها ممتزجة بين الحزن والإعجاب:
"أعرف يا سالي، وأنا فخورة جداً بك. لكنني أخاف عليكِ، أخاف أن تتحملي أكثر من طاقتكِ. أنتِ قوية، لكنكِ أيضاً إنسانة، ولا أريد أن أراكِ تنكسرين تحت ثقل المسؤوليات."
"نحن لم نعد أطفال يا زينة لقد كبرنا وأصبحنا نتحمل المسؤولية، لم نعد نحتاج إلى الحماية طوال الوقت. وحتى إن شعرت بالضعف أحياناً، فهذا لا يعني أنني سأنهار. سأقف على قدميّ مرة أخرى، وسأواصل. لأنني أملككِ وأملك ماما".
أكملت سالي بصرامة:
"وأيضاً أنت لست أقل من أحد، يجب أن تثقي في نفسك أكثر، ولا يجوز أن تظهري أي ضعف أو تردد أمام الآخرين. الناس يأخذونك بالثقة التي تظهرينها لهم. إذا كنتِ واثقة بنفسكِ، سيشعرون بذلك وسيتعاملون معكِ على هذا الأساس. أريدك أن تفهمي أن الأمر ليس سهلاً، لكني متأكدة أنكِ قادرة على فعلها."
ثم أكملت بحب:
"ستجدين وظيفة، وأنا سأساعدك في البحث عنها".
اقتربت من شقيقتها واحتضنتها بحب، وهي تشعر بأن هذه اللحظة منحتها المزيد من الأسباب لتعود إلى المنزل.
***
الساعة الحادية عشر مساءاً والجميع خلد إلى النوم. خرج خالد من شقته حائراً يمشي على غير هدىً، نزل على سلالم المنزل ووجد نفسه يتجول في الطرقة أمام أبواب الغرف الخاصة بالأطفال، ثم نزل مرةً أخرى على السلالم إلى الطابق الأول، وقف حائراً أمام النوافذ بجوار قاعة النافورة. كان دائماً يمر بتلك الحالة عندما يكون عقله منشغلاً بأمر ما. خرجت فرح من القاعة وهي تغطي معصمها لتجد شخصا ما يقف في الظل أمام القاعة، شعرت الفتاة بالخوف وقالت بصوت مرتجف:
"من هنا؟".
وعندما دققت النظر وجدت أن هذه الهيئة تعرفها جيدا. التقطت أذني خالد الذي انتبه صوتا:
"أبيه هذا أنت؟، ماذا تفعل هنا؟".
التفت خالد عندما ميز صوت فرح وشعر بالتوتر عندما رآها، ثم نظر مرةً أخرى إلى النوافذ قائلاً:
"جئت أتفحص النوافذ أشعر أن هناك نافذه مكسورة".
تأملت فرح النافذة من ورائه وقالت:
"آه حسنا".
تحرك خالد بدوره وسألها بحيرة وشك، ورأسه يتجه إلى غرفة المكتب البعيدة عن غرفة النافورة:
"ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟".
وهنا جاء دور فرح لتتوتر هيّ:
"أنا.. كنت أبحث عن المعصم الخاص بي لارا وفؤاد سرقوه مني وأضاعوه هنا، فجئت أبحث عنه ووجدته".
رفعت فرح معصمها وقلبها ينبض بذعر خوفاً من أن يتم اكتشافها. وبالطبع تلك الكذبة لم تدخل عقل خالد الذي مررها وقال بهدوء:
"اذهبي إلى النوم يا فرح".
وقبل أن يتحرك امسكته فرح من كم قميصه وسألته:
"أبيه انتظر أريد أسألك؟". انتظر خالد منها أن تتحدث. كانت فرح مترددة، ولكنها نظرت إلى عينيه مباشرة وسألته:
"هل اخبرتك ماما عن العشاء؟". كان عقله منشغل ولكنه عندما سمع كلمه العشاء أجاب:
"آه، نعم اخبرتني". نظرت إليه فرح بترقب وقالت:
"حسنا ما رأيك؟". تأملها خالد قليلاً وهو يشعر بعدم التركيز وقال:
"لنتحدث في هذا غداً يا فرح". أجاب عليها ثم أزاح يدها واتجه إلى باب المنزل، ليسمعها تسأله من الخلف:
"أبيه إلى أين أنت ذاهب في مثل هذا الوقت؟".
لم يلتفت إليها وأجاب بهدوء:
"سأركض قليلاً حول المنزل، اذهبي أنت إلى غرفتك".
وقفت فرح تتأمله حائرة وهي تتساءل متمتمه:
"ما خطبه؟".
***
[رسالة صادرة بتاريخ ؟؟/؟؟/؟؟؟؟
المرسل: سالي
أعتذر إليك من أعماق قلبي، فلم تكن صحتي على ما يرام الأيام الماضية. إنه لمن المؤسف ألا تستطيع استخدام خيالك بحرية كاملة، لأن الخيال هو البوابة التي تفتح أمامك عوالم لا حدود لها، وتأخذك إلى أماكن لم تكن لتصل إليها بغيره. الأمر ليس وكأنه لا خيال لديك، ولكنك لا تستطيع استخدامه، على الرغم من أنه يمكنك أن تجده في أي لحظة، في أحلامك، في تأملك، وحتى في أبسط الأفكار. كل ما عليك فعله هو أن تسمح لنفسك بالتحرر من القيود التي تفرضها الحياة اليومية، وأن تطلق العنان لأفكارك، ربما تجده. نصيحة من صديق مراسلة، اقرأ كتاب التصور الإبداعي لشاكتي غاون هذا الكتاب سيساعدك على التأمل، وينشط من قوى خيالك.
مع خالص الاحترام
سالي].
نهاية الفصل الرابع عشر
***
مرحباً أعزائي، أزيكم،
من سنة تقريباً، تحديداً من شهر 9 سنة 2023 قررت أبدأ رواية المنزل، وللغرابة الفكرة دي مكنتش موجودة غير قبل قراري بفترة قصيرة، كان عندي أفكار تانية خالص، ويشاء القدر اني أميل للبدء بفكرة وقصة رواية المنزل، بصراحة كانت الرواية زي تجربة اشوف نفسي بعد سنين من التجهيز قادرة اكتب رواية ولا لأ، مكنتش يعني متفائلة بيها، ولكن بدأت كتابة الرواية وأنا مخططة ليها بنسبة 50 في المية، كنت بلعب بجرب بختبر نفسي، ولكن بمرور الوقت واهتمامي اكتر بالرواية لقيت نفسي فيها، عايزة اتكلم من خلالها مع الناس، أعرضلهم افكاري وقناعاتي واعتراضي على أمور كتيرة في حياتنا، الشخصيات حبيتها، حبيتها أوي، ومستمتعة جداً وأنا بكتبها رغم الضغط، وبحب الأطفال فيها، كل طفل حاولت أطلع من خلاله فكرة معينة، حتى الأبطال الأساسين عايزة أقول حاجة من خلالهم، أنا بكتب الكلام ده وأنا ماسكة نفسي مش عايزة انخرط أكتر في الكلام، لأني لسة في نص الرواية وفيه أحداث كتير لسه هحكيها. ولكن هتكلم عن المشاهدات اللي لسة قليلة جداً في نظرة بالمقارنة مع المجهود المبذول في الكتابة، مش مدايقة خالص بصراحة، بالعكس سعيدة جداً بالمتابعين القليلين اللي بيناقشوا معايا الرواية وبالمناسبة بشكرهم جداً، لأنهم اللي بيشجعوني أكمل - وتعليقاتهم نزلتها تحت -، عندي اه مشكلة مع المشاهدات القليلة وفي نفس الوقت الموضوع مش شاغل بالي أوي، أنا مكملة بإذن الله وبجتهد بكل ما أملك من طاقة علشان أنزل الفصول بسرعة وبجد التأخير غصب عني بسبب ظروف شغلي، فاعذروني.
كده اقدر أقول إن الجزء التاني من رواية المنزل بدأ الحمدلله، وانتظروا الفصل الجاي أجمل وأحداث قادمة أثقل.
شكراً
* اعذروني على أية أخطاء أكيد أكيد غير مقصودة.
بشكركم جداً على صبركم عليا وانتظروا الأفضل بإذن الله.
المدونة:
https://hakayalaa.blogspot.com/p/main-page.html
رواية المنزل:
https://hakayalaa.blogspot.com/p/blog-page.html
تابعوني على:
instagram: alaatareks
TikTok: alaatareks
x: alaatareks
متنسوش تقرأوا قصصي القصيرة الخيالية، متأكدة انها هتعجبكم.
تعلقيات أصدقائي المتابعين:
أشكركم جميعاً ❤️🥹
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق