رواية المنزل
ءَالَآء طارق
الفصل السابع والثلاثون
فضلاً، متنسوش الvote.
المزيكا انهاردة أغنية بحلم بيك من كلمات مرسي جميل عزيز ولحن منير مراد
***
وقف أحمد متسمّرًا في مكانه، عينيه متسعتان بصدمة وهو يحدّق في أخيه الأكبر الذي لم يكن يتوقع رؤيته هنا. تسارعت أنفاسه قبل أن ينطق بارتباك:
"حسن! ما الذي تفعله هنا؟".
لم يبدُ حسن أقلّ دهشة، لكنه سرعان ما استعاد تماسكه وهو ينقل نظره بين أحمد وزميله المذعور، ملامحه متصلبة، ونبرته تحمل نبرة ريبة واضحة:
"أنا من عليه طرح هذا السؤال!".
في تلك اللحظة، خطا زميل أحمد خطوة للخلف، كأنما يحتمي بوجود حسن بينه وبين الآخرين، قبل أن يهمس بصوت مرتعش:
"حسن، نحن في ورطة! ساعدنا، أرجوك!".
لم يكد ينهي جملته حتى انطلق صوت ساخر من أحد الشباب الواقفين أمامهم، لهجته بطيئة تحمل نبرة تحدٍّ:
"ومن تكون أنت؟".
استدار حسن ببطء، نظراته تحولت إلى جليد وهو يحدق بالشاب الذي تحدّث، نبرته خرجت باردة لكنها مشحونة بالعداء المكتوم:
"أنا أخوه، وأنت من تكون؟".
تبادل الشاب نظرات ذات مغزى مع رفاقه، قبل أن يعقد ذراعيه على صدره ويبتسم ابتسامة زائفة تنضح بالاستفزاز:
"أنا؟ ألم يخبرك أخوك المدلّل وزميله؟".
ثم التفت إلى أحمد، ملامحه تمتلئ بالمتعة وهو يراقب التوتر الذي بدأ ينهش وجهه الشاحب:
"يبدو أنه لا يعلم، ما رأيك أن أخبره بنفسي؟".
حاول أحمد أن يتحدث، لكن الكلمات بدت وكأنها تهرب من شفتيه، ابتلع ريقه بصعوبة، وحرك شفتيه بتردد:
"إن.. إنه..".
لكن الشاب لم ينتظر، قاطع تردده بنفاد صبر وهو يرفع صوته ليصل إلى الجميع:
"أنا سأخبرك! أخوك وزميله اقترضا منا أموالًا كثيرة ليستخدموها في الرهانات، واليوم موعد السداد، ومن الواضح أنهما فشلا في جمع المبلغ. نحن نريد أموالنا.. مع الزيادة التي اتفقنا عليها، خمسة وعشرون ألفًا وخمسة فوقها!".
خيم صمت ثقيل على المكان، شعر حسن بالخدر يزحف في جميع جسده، وكأن دمه قد توقف عن الجريان. لم يصدق ما يسمعه، للحظات انعقد لسانه، لكنّه سرعان ما استعاد تركيزه والتفت إلى أحمد بنظرة لم يستطع أخوه مواجهتها، قبل أن يسأله بصوت خافت، محمّل بالغضب والخذلان:
"أحمد.. ما الذي يقوله هذا الشاب؟".
كانت أنفاس أحمد متقطعة، ويداه ترتجفان وهو يقبض على ما في جيبه. رفع رأسه بصعوبة ونطق بصوت خافت، متحشرج بالكاد يُسمع:
"حسن.. أنا.."
لكن قبل أن يكمل، شعر بيد دافئة تربت على كتفه. رفع عينيه فرأى حسن ينظر إليه بملامح هادئة، رغم التوتر المشحون في الهواء. كان يحاول طمأنته، لكن عينيه كانتا تخفيان قلقًا جارفًا. التفت حسن نحو الشباب، متجاهلًا ارتجاف أحمد، وقال بصوت ثابت وجاد:
"حسنًا، ما رأيكم أن نتحدث دون إثارة مشاكل؟"
لم تكد كلماته تستقر في الهواء حتى دوى صوت حركة مفاجئة، واندفعت الأقدام على الأرضية الصلبة. التفت حسن بسرعة ليجد زميل أحمد قد انتهز انشغال الجميع وهرب بكل ما أوتي من سرعة، دون حتى أن يلتفت خلفه. ارتفعت أصوات الشغب والفوضى في المكان، وقبل أن يتمكن حسن من استيعاب ما يحدث، شعر بقبضة قوية تشدّه من قميصه، ثم.. ضربة قوية!
أدار رأسه بصدمة، يحدق في الشاب الذي ضربه، قبل أن يتحول نظره إلى أحمد الذي كان محاصرًا بين اثنين آخرين. تراقصت شرارات الغضب في عيني حسن، واندفع جسده بالكامل بفعل الأدرينالين. لم يشعر بنفسه وهو يفلت من قبضة مهاجمه، استجمع قوته العضلية وكل ما تعلمه من الملاكمة، وسدد لكمة مباشرة، ثم أخرى. كانت ضرباته عنيفة، دقيقة، لكن عينيه كانت بين كل حركة وأخرى تبحث عن أحمد، الذي لم يكن يدافع عن نفسه إطلاقًا.
"أحمد!". صرخ حسن، لكن صوته ضاع وسط الضربات.
كان أحمد مستسلمًا تمامًا، وكأنه لم يتعلم القتال أبدًا. كان يتلقى اللكمات دون أدنى محاولة للرد، وهو ما أشعل الغضب في قلب حسن أكثر. زادت قوته، وبدأ يسدد ضرباته بقوة مضاعفة، لكن لحظة تشتت واحدة كانت كافية!
قبل أن يدرك ما يحدث، وجد نفسه يُسحب فجأة، وتضربه الأرض بقوة. انقض عليه أحد الشباب، جاثمًا فوقه، مشددًا قبضته على ذراعيه خلف ظهره، شلّ حركته بالكامل. حاول حسن المقاومة، لكن جسده بدأ يخذله، وكأن كل طاقته قد استُنزفت دفعة واحدة.
"بعض العلامات فقط، لا تقتلوه".
كان الصوت قادمًا من الشاب الذي يقيده، ولهجته كانت تحمل خبثًا قاتلًا. رفع حسن رأسه قليلًا، وعيناه توسعتا برعب عندما رأى الشابين الآخرين يسحبون آلات حادة من جيوبهم، يلوحون بها قبل أن يتوجهوا نحو أحمد المرتمي بلا حراك على الأرض.
"لا!" صرخ حسن، محاولًا الإفلات بجنون، لكن القبضة على جسده اشتدت أكثر، وزاد الثقل الذي يقيد حركته.
رأى الشفرات تلمع تحت ضوء الشارع الخافت، تتحرك ببطء ولكن بثبات، قبل أن تغوص في جسد أحمد. ليست في أماكن قاتلة، لكنها كافية لتجعله يتلوى ألمًا. مع كل طعنة، كان حسن يشعر كأنها تُغرس في روحه هو، وكأن أعصابه تتمزق مع كل جرح جديد يظهر على جسد أخيه.
"أوقفووهم! أحمد! انهض! أرجوكم، دعوه!".
لكن صوته كان يُخنق، قواه تتبدد، وكاد اليأس يطبق على صدره، ثم جاء الصوت المنتظر!
"أنتم! أيها الأوغاد! ما الذي تفعلونه؟! يا إلهي، اطلبوا الإسعاف!".
في لحظة نفدت قواه واستسلم مغمضاً عينيه. ولكنه انصت إلى الضوضاء، تسللت أصوات أشخاص قادمين، صياح وركض متسارع. شعر حسن بقبضة الشخص الذي يقيّده تخف فجأة، بينما الآخرون تراجعوا بقلق. كانت النجدة قد وصلت أخيراً.
***
جاب خالد الشوارع بسرعة مضطربة. عيناه المتوترة لم تتوقف عن المسح المتواصل للطريق، باحثًا بين الطرق عن أي أثر للولدين. إلى جانبه، كان محمود منشغلاً بالمكالمة الهاتفية، صوته يحمل توترًا واضحًا وهو يتحدث، لكن ملامحه ازدادت قتامة عندما أغلق الهاتف وزفر بعمق، محاولًا كبح يأسه:
"المدرسة تقول إنهما لم يأتيا اليوم..".
تمتم بصوت منخفض لكنه كان مشحونًا بالقلق، ثم تابع بحزم:
"يجب أن نبلغ الشرطة، يا خالد".
قبض خالد على المقود بقوة حتى ابيضّت مفاصله، قبل أن يجيب بضيق:
"ليس قبل مرور أربعٍ وعشرين ساعة على الاختفاء".
التفت إليه محمود بانفعال، حاجباه معقودان، وصوته ممتلئ بالغضب الكامن:
"ولكن ماذا لو حدث لهما مكروه؟! ما الفائدة من الانتظار كل هذا الوقت؟!"
كان خالد يراقب الطريق بحذر، لكن اضطراب أنفاسه فضحه. ألقى نظرة سريعة على محمود قبل أن يتمتم بصوت مشحون بالتوتر:
"لا أعلم، يا محمود... لا أعلم! فقط استمر في مراقبة الشوارع، ربما نلمح أحدهما".
حرك محمود رأسه بإحباط، ثم عاد يمسح بعينيه الوجوه المارة، يحاول التفكير بصوت عالٍ:
"فكر معي.. ما الذي سيدفع حسن وأحمد للخروج في مثل هذا الوقت المبكر؟ إلى أين يمكن أن يذهبا؟ هل اتصلت بالمستشفى الخاصة بالسيدة أنيسة؟ ربما ذهبا لزيارتها".
أجابه خالد مباشرة، دون أن يشيح بنظره عن الطريق:
"اتصلت.. لكنهم نفوا قدومهما".
ساد صمت ثقيل، قبل أن يهمس خالد كأنه يتحدث مع نفسه أكثر مما يخاطب محمود:
"أعتقد أنني أعرف السبب.. لكن لا أعرف إلى أين ذهبوا".
ضغط على أسنانه بقهر، وعيناه تعلقان في الفراغ أمامه، وكأنه يبحث عن إجابة. لم يدرك أنه نطق بصوت مسموع عندما تمتم بندم خافت:
"كان علي أن أعود بالأمس... كان علي أن أفهم سبب وجود تلك الأموال مع أحمد."
لو كانت الظروف طبيعية، لما استبدّ به هذا القلق القاتل، لكنه لم يستطع منع عقله من إعادة كلام سالي مرارًا؛ الأموال التي عثرت عليها منى مع أحمد كانت إشارة تحذير. الآن، مع مرور الساعات دون أي جديد، كانت كل الاحتمالات السيئة تتكالب عليه، تخنقه دون رحمة.
قبض على المقود بإحكام أكبر، وهو يحاول إخماد عاصفة القلق التي بدأت تخرج عن سيطرته، لكن السؤال ظل يتردد داخله بلا إجابة:
"أين أنتما؟!".
أربع ساعات كاملة من البحث، أربع ساعات من القلق الذي يتكاثر في صدره كعاصفة لا تهدأ. لم يعد يدري كم مرة لفّ بسيارته نفس الطرقات، وكم مرة حدّق في وجوه العابرين متمنيًا أن يرى ملامح حسن أو أحمد بين الحشود.
وفجأة، اهتز الهاتف في يد محمود، الذي سارع بالرد. لم تمضِ سوى ثوانٍ قليلة حتى تغيرت ملامحه تمامًا، نظر إلى خالد بحدة قبل أن يغمغم بصوت مضطرب:
"خالد.. إنها المدرسة.. يطلبون منك الذهاب فورًا إلى أحد المستشفيات!"
شعر خالد كأن شيئًا ما سقط في معدته، وبرودة مفاجئة زحفت في أوصاله. ضغط على دواسة الوقود بقوة، بينما لم يستطع سوى تكرار سؤال واحد، صوته يخرج بالكاد بين أنفاسه الثقيلة:
"أي مستشفى؟ ماذا حدث لهما؟!"
لكن محمود لم يكن يملك إجابة، فقط أمسك بهاتفه بقوة، يحاول إعادة الاتصال، بينما كانت السيارة تشق طريقها بجنون نحو الوجهة التي تم تحديدها.
***
وقف الطبيب أمام خالد، يقلب صفحات التقرير الطبي بملامح جادة. استند خالد بجسده إلى الحائط، محاولًا أن يبقي نفسه متماسكًا. رفع الطبيب نظره إليه أخيرًا، ثم بدأ يتحدث بصوت هادئ لكن حازم:
"كسر في الضلع الثامن الأيسر، وكسر في الساق اليمنى، تحديدًا في القصبة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أربع إصابات سطحية بآلة حادة في الذراع الأيسر، وإصابة عميقة في الفخذ الأيمن، لكنها لم تصب أي أوعية دموية رئيسية. كما يعاني من كدمات متعددة في أنحاء جسده".
شعر خالد ببرودة تجتاح أطرافه، وابتلع ريقه بصعوبة قبل أن يهمس بصوت مبحوح، يكاد لا يخرج من حلقه:
"هل.. هل سيكون بخير؟"
أغلق الطبيب الملف برفق، ونظر إليه بنبرة مطمئنة:
"نعم، حالته الآن مستقرة. الكسر في الساق سيتم تثبيته بالجبيرة مع متابعة دورية للتأكد من التئام العظام. سنعطيه مسكنات للألم ومضادات التهاب حسب الحاجة، وسنراقب الجروح جيدًا لمنع أي عدوى. وبمجرد أن تتحسن حالته، سيحتاج إلى جلسات علاج طبيعي لاستعادة حركته بشكل طبيعي."
أغمض خالد عينيه للحظة، وزفر ببطء، محاولًا تهدئة الاضطراب الذي يعصف بصدره. رفع رأسه أخيرًا وسأل بصوت متحشرج بالكاد يخرج منه:
"الحمد لله.. لكن، هل سيبقى في المستشفى طويلًا؟".
حرك الطبيب رأسه قليلًا قبل أن يجيب بواقعية:
"سيحتاج إلى البقاء هنا حتى نتأكد من استقرار حالته، على الأقل لبضعة أيام. وبعد ذلك، سنحدد بناءً على تطور شفائه متى يمكنه المغادرة، لكن عليه الالتزام بالعلاج والمتابعة الدورية".
نظر خالد تلقائيًا إلى حسن، الذي كان يجلس على أحد الكراسي أمام غرفة أحمد وهو شارد الذهن. كان وجهه يحمل آثار الإرهاق وبعض الكدمات التي بدأت بالازرقاق. أدار خالد عينيه للطبيب مجددًا، قلقه لم يهدأ بعد:
"وحسن؟".
ابتسم الطبيب ابتسامة خفيفة، وكأنه يطمئنه:
"لا تقلق، إصاباته سطحية. مجرد شرخ بسيط في الساعد الأيمن وبعض الكدمات التي ستختفي خلال أيام قليلة. لا يوجد ما يدعو للقلق".
عينا خالد راقبتا حسن الذي لم ينطق بحرف منذ أن وصل خالد، وهذا الصمت وحده كان يثير القلق في صدره. وفجأة قطع هذا السكون صوت مألوف يأتي من خلفه، صوت حمل خليطًا من اللهفة والذعر:
"حسن! ماذا حدث لك!".
اندفعت منى مسرعة، تخطت خالد واقتربت من حسن، ركعت أمامه، أمسكت وجهه بين يديها بحنان مذعور، وعيناها تجوبان الكدمات التي بدأت بالازرقاق على خده وجبينه، بينما هي تصيح بانفعال:
"ماذا حدث لك؟ أخبرني!".
رفع حسن رأسه إليها ببطء، للحظة فقط كان هناك شيء يشبه الضعف في عينيه، لكنه اختفى فورًا، وتحولت ملامحه إلى قسوة غاضبة، دفع يديها عنه بخشونة وقال بصوت مرتجف من الغضب:
"ابتعدي عني!"
تراجعت منى قليلًا، لكنها لم تستسلم، اقتربت منه مجددًا، ويدها تمتد إليه برفق، وعيناها تمتلئان بالدموع وهي تهتف بلهفة ممزوجة بالرجاء:
"ماذا حدث لك يا بني؟ من فعل بك هذا؟".
راقب خالد المشهد بصمت وعجز، لم يكن يعلم ماذا عليه أن يقول أو يفعل، حتى قطعت شروده همهمة قلقة من خلفه:
"مستر خالد.."
التفت ليجد سالي واقفة أمامه، وجهها شاحب وعليه أمارات القلق الشديد، نظرت إليه مباشرة وسألته بصوت مرتجف:
"ما هي حالة أحمد؟"
زفر خالد بعمق ومسح وجهه بكفه، وكأنه يحاول طرد التعب العالق في ملامحه، ثم قال بصوت متعب:
"الطبيب يقول إنها مستقرة."
تنفست سالي الصعداء قليلًا، لكنها لم تهدأ، بل سألت بجدية:
"ولكن كيف حدث ذلك؟"
نظر خالد أمامه بشرود قبل أن يجيب بصوت خافت:
"لا أعلم.. المدرسة اتصلت بنا وأخبرتنا أن الأولاد مصابون. أنا أنتظر الآن الشرطة لتأتي وتحقق في الحادثة."
كان وجهه شاحبًا، وتعب الساعات الماضية بدا واضحًا في عينيه المتعبة. تأملته سالي بحزن، ثم قالت بصوت هادئ مواسٍ:
"لا تقلق، سيكون بخير.. أرجوك، اجلس وارتاح قليلًا، سأتابع أنا حالته مع الطبيب."
وكأنه أدرك فجأة كم كان مرهقًا، جلس خالد على أقرب كرسي، أراح رأسه على يده، وأغمض عينيه في محاولة يائسة لاستجماع أفكاره.
بعد فترة، وصلت الشرطة، وجاء معها كشف الحقيقة. حكى زميل أحمد، الذي فر هاربًا، القصة كاملة، وأوضح أنه استدعى حراس المدرسة الذين تدخلوا في اللحظة الأخيرة، قبل أن تتفاقم الأمور.
كان أحمد قد بدأ باستخدام تطبيق مراهنات على الهاتف، في البداية كان يربح القليل، ثم بدأ يخسر أكثر مما يكسب، وعندما تراكمت عليه الديون، هو وزميله، لجأوا إلى أولئك الشباب الذين يقرضون المال مقابل فائدة عالية. وعندما حل موعد السداد ولم يكن لديهم المال، قرر زميله سرقة مبلغ من مكتب والده وإعطاءه لأحمد لتسديد الدين، لكن بطريقة ما، اختفى المال.
وقفت منى في مكانها متجمدة، بالكاد استوعبت الكلمات التي سمعتها، ثم همست بذهول:
"هذه الأموال.. كانت أموال رهانات؟ أحمد.. يفعل ذلك؟".
كانت الصدمة في صوتها واضحة، وكأنها ترفض تصديق الحقيقة التي كُشفت أمامها للتو. أضافت المرأة بحسرة:
"يا ليتني لم آخذ الأموال من حقيبته!".
تنهدت سالي وهي تحدق في الأرض، ابتسامة حزينة ترتسم على وجهها. لم يكن الأمر مفاجئًا لها، فقد كانت تشك منذ البداية أن أحمد وقع في فخ المراهنات، مثل كثير من الشباب الذين يبحثون عن طريق سهل للربح، فيجدون أنفسهم عالقين في دوامة لا يستطيعون الخروج منها.
رفعت عينيها بهدوء إلى خالد، كان لا يزال واقفًا في مكانه، شاحب الوجه، ملامحه متجمدة وكأن الصدمة سلبته القدرة على التفاعل. كانت تعلم أنه يمر بأسوأ فتراته، كل شيء من حوله ينهار. أولًا مرض السيدة أنيسة، ثم الحادث، والآن هذا.. لم تكن مجرد أزمة عابرة، بل كانت حياته بأكملها تتهاوى أمام عينيه.
شعرت بوخزة شفقة في صدرها وهي تراه هكذا، رجل كان بالأمس فقط يظن أن لديه حياة مستقرة، فإذا به اليوم غارق في فوضى لم يكن مستعدًا لها. مدت يدها قليلًا كأنها ستلمس ذراعه، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة.
قالت بصوت هادئ مليء بالأسى: "مستر خالد.."
لم يجب، وكأنه لم يسمعها، فقط بقي صامتًا، يحدق في اللاشيء، غارقًا في دوامة أفكاره الثقيلة.
أكملت الشرطة استجواب حراس المدرسة، وزميل أحمد، وحسن، وكل من شهدوا على الحادث، بينما كان خالد يراقب بصمت، متأملاً وجوه الضباط الجادة وأصواتهم الرسمية التي تملأ أجواء المستشفى. كان كل شيء يسير بوتيرة بطيئة لكنها حاسمة. وعندما حان دور أحمد، تدخل الطبيب بحزم، وقال بصرامة:
"لا يمكن استجوابه الآن، حالته الصحية لا تسمح بذلك."
نظر الضابط المسؤول إلى الطبيب، ثم إلى زميله قبل أن يزفر بتفهم ويقول:
"حسنًا، سنعود غدًا لاستكمال التحقيق."
أغلق دفتر ملاحظاته، وألقى نظرة خاطفة على خالد، الذي كان واقفًا بجوار باب الغرفة، شارد الذهن. تبادل الرجلان نظرات عابرة، ثم غادر الضباط.
***
حدّق أحمد في ساقه الملفوفة بالجبيرة، وأحس بثقلها وكأنها تقيّده . تساقطت دموعه بصمت، لم يكن يصدق أن حياته انحدرت إلى هذا الحد. تمنى لو يختفي، لو تنشق الأرض وتبتلعه، لو يموت ولا يراه أحد في هذا الوضع المخزي. خصوصًا نور. كانت فكرة أن تعرف نور بما حدث له كابوسًا يؤرقه. هل سمعت؟ هل وصلها الخبر؟ هل ستنظر إليه كما كانت تفعل من قبل؟
ضغط على أسنانه بقوة، وأخفى وجهه بيده السليمة وهو يبكي بصمت، لكنه انتبه فجأة إلى صوت الباب يُفتح. شهق بخفّة، وسارع بمسح دموعه بيد مرتجفة قبل أن يُغمض عينيه، متظاهرًا بالنوم.
سمع وقع خطوات هادئة تدخل الغرفة، تبعتها حركة كرسي، ثم صمت طويل. ظل أحمد مستلقيًا دون أن يتحرك، يرهف السمع، يتساءل من يكون. مرّت دقائق بدت كأنها ساعات، حتى شعر بيد كبيرة تُربت برفق على كتفه. لم يجرؤ على فتح عينيه، لكنه شعر بتلك اللمسة في عمق قلبه، كانت دافئة.. مألوفة.
وبعد لحظات، سمع صوت الأقدام يغادر الغرفة، كما دخلت تمامًا، بصمت. فتح عينيه ببطء، ليلمح ظهر أبيه خالد وهو يخرج من الباب، رأسه منحني وكتفاه مثقلتان بالهمّ. ظلّ أحمد يحدق به، وعيناه تحترقان بمشاعر لا يستطيع تحملها.
***
جلست سالي بجوار خالد في السيارة، والهدوء المشحون يخيّم على الأجواء وهما في طريقهما إلى المستشفى حيث ترقد أنيسة. ألقت نظرة جانبية عليه، تتفحص ملامحه التي بدت وكأنها تحمل ثقل العالم بأسره. كانت عيناه غائرتين، تحيط بهما هالات داكنة كأنهما لم تذوقا النوم منذ أيام، تخفيان وراءهما مشاعر يصعب فك شفرتها، أما وجهه، فكان متصلبًا، خاليًا من أي تعبير، لكن مزاجه المتوتر كان يعلن عن نفسه بصمته القاتم. راقبته للحظات، ثم تنفست بعمق قبل أن تكسر حاجز الصمت بصوت هادئ:
"مستر خالد.. أعتذر على تدخلي، ولكن أعتقد أنك بحاجة إلى الراحة، سأبيت أنا اليوم مع السيدة أنيسة نيابةً عنك".
لم يُجب فورًا. بقيت عيناه مسمرة على الطريق، وأصابعه تقبض بقوة على المقود، حتى بَدا أن مفاصله تبيّض من شدة الضغط. حركت سالي بصرها بين ملامحه والطريق أمامهما، ثم عادت تقول بلطف ممزوج بالقلق:
"أعلم أن الوضع ليس سهلاً، لكنك بحاجة إلى الراحة، إلى استعادة أنفاسك".
ظل خالد صامتًا للحظات، ثم زفر ببطء، وكأن الهواء يخرج من صدره بثقل الجبال، وقال بصوت متعب:
"ليست لدي هذه الرفاهية.. كما أن ماما ستشك فوراً لو تغيرت الأوضاع دون تفسير مقنع، اقضي أنت معها الساعات القادمة وسأعود أنا بعد الأطمئنان على أحمد".
سألته سالي بفضول، محاولة اختراق حاجز الصمت الذي بدأ يثقل الأجواء:
"ماذا ستفعل معه؟"
لم يبعد خالد عينيه عن الطريق، لكنه زفر بصوت منخفض قبل أن يرد بنبرة تحمل مزيجًا من التوتر والانشغال:
"لا أعلم.. هناك الكثير من الأسئلة التي أريد لها إجابة. لا أستطيع التفكير في شيء آخر."
قالها منهياً الحديث بشكل قاطع. فسكتت سالي فوراً والتفتت تراقب الطريق بشرود. ماحدث اليوم كان كفيلاً بأن يغير المزاج العام للعالم في عينيها. وهذا اليوم كان حقاً يوماً سيئاً.. سيئاً وبشدة.
ظل الصمت مسيطرًا لبعض الوقت، حتى قطعه خالد فجأة، بصوت جاد لكنه هادئ:
"دكتورة..."
التفتت إليه سريعًا، فواصل حديثه دون أن يلتفت نحوها:
"أرجوكِ، لا تخبري ماما بأي شيء مما حدث."
تردد للحظة، ثم أكمل بصوت خافت، لكن فيه رجاء واضح:
"كما تعلمين، هي طريحة الفراش، وحالتها لا تسمح بمثل هذه الصدمات.. لا أريد أن أحملها فوق طاقتها."
لم تتردد سالي لحظة، فأجابته بحزم وطمأنينة:
"مستر خالد، لا تقلق. السيدة أنيسة لن تعلم شيئًا مما جرى اليوم."
أومأ خالد بصمت، وكأن إجاباتها لم تخفف من قلقه تمامًا، لكنه أضاف مؤكدًا:
"وأنا أيضًا سأوصي جميع من في المنزل بذلك."
عادت السيارة إلى صمتها المطبق، لكنه لم يكن الصمت المريح، بل ذلك النوع الذي يثقل الصدر.
***
نظرت أنيسة إلى الاثنين بعينين مثقلتين بالشك، كان التعب بادياً على وجهها الشاحب وهي تحاول تحريك يدها المتصلة بالمحاليل، لكن الوهن كان أقوى منها. رفعت عينيها إلى خالد وسالي وسألت بصوت مرهق، لكنه يحمل نبرة أمومية حازمة:
"أنتما.. هل هناك ما يجري في المنزل دون علمي؟"
تبادلت سالي وخالد نظرات خاطفة، ثم ابتلعت سالي ريقها وحاولت التظاهر بالثبات وهي تجيب بلطف:
"لا.. نحن فقط كنا.."
لكن قبل أن تكمل، تدخل خالد بهدوء، كأنما قرر أنه من الأفضل أن يتولى هو الحديث. سحب كرسياً قريباً، وجلس بجوار السرير، ثم مد يده وأمسك يد أنيسة بين كفيه الدافئين، محاولًا بث الطمأنينة في لمسته. قال بصوت منخفض لكن واثق:
"كان هناك خلاف بين الأطفال، وكنت أحاول حله.. لا تقلقي، الأمور تحت السيطرة."
لم تبدُ أنيسة مقتنعة تمامًا، إذ ازدادت نظرات الشك في عينيها، وتأملت وجه خالد، تبحث عن أي إشارة على أنه يخفي عنها شيئًا، ثم همست بصوت ضعيف لكنه نافذ:
"لا أشعر بالاطمئنان.. هل تعرض أحد الأطفال لسوء؟"
أدركت سالي أن عليها الرد بسرعة قبل أن يتفاقم قلق أنيسة أكثر. استجمعت رباطة جأشها، واقتبست من هدوء خالد قوة زائفة، ثم قالت بثبات مدروس:
"لا، لم يتعرض أحد لسوء، جميعهم بخير."
راقبت أنيسة وجهيهما بصمت، عينيها تتنقلان بينهما في محاولة لالتقاط أي إشارة تكشف ما يحاولان إخفاءه. بدت ثواني الصمت طويلة وثقيلة، حتى زفرت أخيرًا ببطء، كأنها تجبر نفسها على تصديق ما قيل لها، رغم أن القلق ظل معلقًا في صدرها.
قطعت سالي الصمت بنبرة هادئة، محاولة صرف التوتر عن الغرفة:
"حسنًا... مستر خالد، أرجوك لا تعطل نفسك."
نظر إليها خالد للحظة، وكأنه يزن كلامها، لكن وجهها كان مطمئنًا، رغم أن عينيها حملتا شيئًا خفيًا. أومأ بهدوء، ثم نهض من كرسيه قائلاً بصوت ثابت:
"حسنًا، سأذهب الآن.. اعتنوا بأنفسكم حتى أعود."
تحرك نحو الباب، لكنه توقف أمام سالي قبل أن يخرج. وعيناه تتأملانها للحظة بدت لها أطول مما هي عليه. كانت نظرته مختلفة، غامضة، لكنها لم تكن باردة كما اعتادت منه. ثم قال بصوت منخفض لكنه حازم:
"إلى اللقاء، سأعود في المساء."
قالها ببساطة، ثم استدار وغادر، تاركًا سالي خلفه، وقلبها قد توقف للحظة قبل أن يستعيد نبضه بسرعة، دافقًا الدم إلى وجهها حتى احمر خجلًا.
ماذا كانت تلك النظرة؟ لوهلة، شعرت أنها رأت في عينيه دفئًا نادرًا.. دفئًا لم يكن خالد يمنحه بسهولة.
"سالي؟ ماذا بك؟"
كانت درجة وعي أنيسة مختلفة عن السابق لتلاحظ ما حدث للتو، فالتفتت سالي إليها بسرعة، وأجابت بصوت بدا أكثر مرحًا وانطلاقاً:
"لا شيء، كيف كان يومك؟"
تنهدت أنيسة بأسى، وألقت نظرة سريعة على السقف قبل أن تهمس:
"شعرت بوحدة شديدة في تلك الساعات التي غبتم فيها عني. كنت خائفة من أن أتصل بكم... خشية أن أسمع خبرًا سيئًا."
تحركت سالي في الغرفة بخفة، تتناول باقات الورود التي أرسلها بعض المعارف وتعيد ترتيبها على الطاولة بجانب السرير، محاولة أن تضفي لمسة من البهجة. ابتسمت برفق وقالت:
"أنتِ تقلقين كثيرًا."
زفرت أنيسة مجددًا، نبرتها حملت ظلًا من القلق العميق:
"نعم... أنا قلقة على الأولاد. لا أشعر بالراحة وأنا بعيدة عنهم. ألا تستطيعين ترتيب زيارة قريبة لهم؟"
التفتت سالي إليها، وابتسامتها زادت إشراقًا وهي ترد بثقة:
"أنا بالفعل أرتب لذلك. الأطفال لا يكفون عن السؤال عنك."
أغمضت أنيسة عينيها للحظة، وكأنها تستحضر وجوههم في ذهنها، ثم همست بحنين:
"أعزائي... وأنا أيضًا. أريد أن أشبع منهم قبل أن..." توقفت، وكأنها أدركت ما كادت تقوله، ثم تابعت بسرعة بصوت أكثر هدوءًا: "أخبريني، كيف حال ماريا؟ لم تجلبوها معك المرة الماضية. أريد أن—"
في تلك اللحظة سالي لم تكن تستمع. كانت قد اقتربت من النافذة، وعيناها تحدقان في الخارج بانتباه شديد. بين السيارات المتوقفة، التقطت أنظارها تلك السيارة نفسها التي اعتادت رؤيتها، واقفًا أمامها كان نفس الرجل العجوز.
راقبته وهو يخرج من السيارة ببطء، رأسه مائل قليلاً وكأنه مثقل بالحزن. رفع وجهه إلى المستشفى، نظراته كانت مليئة بالأسى... للحظة، تلاقت عيونهما بوضوح عبر الزجاج. شعرت سالي بتوتر غريب يسري في جسدها، فابتعدت عن النافذة بسرعة، محاولة أن تستعيد رباطة جأشها.
لاحظت أنيسة حركتها المفاجئة، فرفعت حاجبها وسألت بحيرة:
"ماذا بكِ يا ابنتي؟"
التفتت سالي إليها، ما زال في وجهها أثرٌ من التردد والغموض، ثم قالت بحيرة:
"ست أنيسة، هناك أمر غريب يحدث كل يوم أمام المستشفى."
"ما هو؟" سألت أنيسة باهتمام.
ترددت سالي للحظة، ثم قالت بصوت منخفض كأنها تخشى أن يسمعها أحد:
"هناك رجل عجوز يأتي كل يوم في نفس الموعد تقريبًا، يقف أمام المستشفى لدقائق طويلة، يتأملها بصمت وكأنه ينتظر أحدًا... أحيانًا كثيرة أراه يمسح دموعه بمنديل، ثم يستدير ويرحل."
مالت أنيسة برأسها قليلاً، متأملة الكلمات، وقالت ببطء:
"هذا غريب... ربما يكون لديه قريب هنا."
هزت سالي رأسها نافية:
"هكذا قال مستر خالد، ولكن.. لماذا لا يدخل؟".
همست أنيسة بشرود، وكأن عقلها كان يحاول فك لغز هذا الرجل الغامض:
"هذا بالفعل أمر غريب..."
ثم التفتت إلى سالي، وعيناها، رغم الإرهاق، تألقتا بنوع من العزيمة المفاجئة. مدت يدها نحوها وقالت بصوت يحمل إصرارًا:
"أعطني يدك... ساعديني في الذهاب إلى النافذة، أريد أن أراه."
ترددت سالي للحظة، لكنها سرعان ما وضعت يدها في يد أنيسة، وأعانتها على النهوض بحذر. تحركتا ببطء، خطوة تلو الأخرى، حتى وصلتا إلى النافذة، حيث أفسحت لها المجال لترى بوضوح.
لكن ما إن وصلت أنيسة ونظرت عبر الزجاج، حتى رأت الشارع فارغًا... كانت السيارة قد تحركت واختفت في زحام الطريق. حدقت للحظات، وكأنها تأمل أن تلمح أثرًا له، ثم زفرت بخيبة أمل وهمست:
"يا للأسف.. كنت أريد أن أراه!"
قالتها بنبرة حزينة، شبه طفولية، جعلت سالي تبتسم بمرح وهي تربت على يدها بلطف:
"لا تحزني، سترينه في المرة القادمة.. هو يأتي كل يوم تقريبًا."
نظرت أنيسة مجددًا إلى الطريق، ثم أغمضت عينيها للحظة قبل أن تستدير ببطء وتدع سالي تعيدها إلى سريرها.
***
في أجواء المستشفى الهادئة التي لا يقطعها سوى أصوات الأجهزة الطبية الخافتة، وقف خالد ومنى وسالي بجوار سرير أحمد، ينصتون بانتباه إلى حديث الطبيب عن حالته. كانت سالي الوحيدة التي تبادلت الحديث مع الطبيب، تطرح الأسئلة وتستوضح التفاصيل، بينما خيّم الصمت على الآخرين. خالد كان غارقًا في أفكاره، يتأمل أحمد الذي بدا شاردًا، وعيناه مثبتتان على الغطاء الأبيض دون أي تعبير. أما أحمد نفسه، فلم ينطق بحرف منذ مغادرة الضابط الذي استجوبه قبل قليل، وكأنه فقد رغبته في الكلام.
بعد أن أنهى الطبيب تقريره وغادر، ساد صمت ثقيل في الغرفة، مشحون بالتوتر، حتى قررت منى كسره بلطف وهي تبتسم وتقول:
"حمدًا لله على سلامتك يا أحمد، نتمنى أن تتعافى سريعًا وتعود إلى المنزل."
لكن أحمد لم يبدِ أي رد فعل، لم يرفع عينيه حتى، فابتلعت منى توترها ونظرت إلى خالد للحظات قبل أن تحاول مرة أخرى:
"إخوتك يشتاقون إليك كثيرًا.. إنهم.."
لكن قبل أن تكمل، قاطعها خالد بصوته الهادئ لكنه الحاسم:
"ست منى.. دكتورة.."
نظر إليهما بثبات، ثم أضاف بنبرة جادة:
"من فضلكما، أريد التحدث مع أحمد على انفراد."
ساد الصمت للحظة قبل أن تتبادل منى وسالي نظرات سريعة، ثم هزّت سالي رأسها بتفهم وأشارت لمنى بالخروج معها، تاركتين خالد وأحمد وحدهما في الغرفة، حيث بقي الأخير على حالته، متصلبًا في صمته، فسحب خالد كرسيه بهدوء وجلس مشبكًا ذراعيه بصلابة فوق صدره، وعيناه لا تفارق الفتى الذي ظل محدقًا في الغطاء الأبيض بتوتر. مرت دقيقة كاملة ظل خلالها أحمد غارقًا في صمته، يشيح بوجهه بعيدًا كما لو كان يحاول الهروب من هذه اللحظة.
تنهد خالد أخيرًا، ثم بدأ حديثه بنبرة هادئة لكنها لا تخلو من الحزم:
"للعلم، لم أسأل الضابط عمّا دار بينكما، أفضل أن أسمع منك مباشرة. لذا، إذا كان لديك ما تريد قوله لي، فأنا هنا وأستمع إليك بإنصات."
لم يتحرك أحمد، لم يبدُ عليه حتى أنه سمع الكلمات، لكن خالد لم يتوقف، بل أمال جسده للأمام قليلًا، ناظراً إليه بثبات، قبل أن يضيف بصوت أخفض لكنه أكثر وضوحًا:
"أحمد، لا أعتقد أن الأسئلة التي تدور في خلدي صعبة إلى درجة تعجز عن فهمها والإجابة عليها."
ظل الفتى متحجرًا في مكانه، لكن أصابعه التي قبضت على الغطاء بحركة خفيفة فضحت توتره، وعيناه تجنبتا الالتقاء بعيني خالد. وفجأة اهتزت شفتاه وهو يحاول حبس دموعه، لكن عينيه خانتاه سريعًا، فاغرورقتا بالدموع التي بدأت تتساقط على الملاءة البيضاء. صوته خرج خافتًا، مرتجفًا بالكاد يُسمع:
"أنا آسف.. أنا آسف حقًا.. سامحني."
ظل رأسه منخفضًا، وكأن الخجل يثقل عنقه، فيما راقبه خالد بصمت طويل، عينيه جامدتان، لكن ملامحه لم تكن تخلو من ثقل المشاعر التي تحركت بداخله. ظل الصمت يخيّم للحظات قبل أن يقطعه خالد بصوت هادئ لكنه نافذ:
"لماذا فعلت ذلك؟ ما الذي يدفع فتى في مثل سنك إلى الدخول في هذا العالم؟ هل كان هناك تقصير من جهتنا؟ هل احتجت إلى المال ولم تستطع إخبارنا؟"
هزّ أحمد رأسه نفيًا بسرعة، وشفتيه ترتجفان دون أن ينطق بكلمة. تبادل خالد أنفاسًا عميقة قبل أن يردّ بحزم:
"إذاً؟"
رفع أحمد نظره أخيرًا، بعينين حمراوين من الدموع، والتقط أنفاسه بصعوبة قبل أن يهمس بتوسل:
"سامحني يا أبيه.."
لكن خالد لم يتحرك، لم يتبدل شيء في صلابته، فقط نظر إلى الفتى بجدية وقال:
"كيف أسامحك أو أعطيك عذراً وأنا لا أفهم دوافعك؟ أخبرني، يا أحمد، لماذا؟ أريد أن أسمع قصتك أولاً، أفهم أسبابك".
"لن تفهمني، مهما شرحت لك لن تفهمني".
كررها أحمد بألم، ليرد عليه خالد بهدوء:
"وهل حاولت لتقرر إن كنت سأفهمك أم لا؟".
ظل أحمد ينظر إلى خالد، قلبه ينبض بعنف، وكلماته عالقة في حلقه، لكنه كان يعلم أن لحظة الاعتراف قد حانت، وأنه لم يعد هناك مفرّ من المواجهة. همس بصوت مكتوم ومتوتر:
"أردت أن أشتري لنور جهازًا جديدًا يساعدها في الحركة."
تجلت على وجه خالد علامات الصدمة، فلبث عاجزًا للحظة. ثم، وبصوت هادئ رغم توتره، سأل بحيرة:
"جهاز لنور؟ هل طلبت هي منك ذلك؟"
حرك أحمد رأسه بالنفي بخجل، فتساءل خالد بصوت يختلط فيه القلق والاحتياج للفهم:
"أنا لا أفهم، وضّح أكثر من فضلك."
في تلك اللحظة، اختلطت الدموع مع الصمت، وكانت الأضواء الخافتة تبرز ملامح الخوف والندم على وجه أحمد، وهو يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يجد الكلمات التي تفسر دوافعه. بدأ بصوتٍ متهدج، وعيناه تتلألأن بالدموع المختلطة بالندم:
"لقد كانت نور تعاني مؤخرًا من التنمر. شعرت أنه يجب علي مساعدتها بطريقةٍ مختلفة، خاصةً وأن علاقتنا لم تكن على ما يُرام. حاولت أن أدعمها، فبحثت كثيرًا ووجدت أجهزة قد تساعدها على الحركة بحرية، رغم أنها غالية الثمن جدًا. خمنت أنني لو اشتريتها لها ستكون سعيدة بهذه المساعدة وستعود علاقتنا كما كانت.. أنا فقط أريد لها أن تكون سعيدة، وأن أخلصها من العبء الذي تحلمه على كتفيها كل يوم وهي في المدرسة"
توقف أحمد للحظة، وكانت أنفاسه ترتجف مع كل كلمةٍ يلفظها و هو يشاهد خالد وجهه الشاحب. في تلك اللحظة، اندلع صوت خالد بصوتٍ مبحوح ومتشبع بالحيرة:
"ولماذا لم تأتي وتطلب مني المساعدة؟"
ارتجف صوت أحمد، ثم أجابه وهو يحاول أن يثبت برغم رجفة صوته:
"أردت أن أفعل ذلك بنفسي.. نور هي أقرب شخص لي في هذا العالم. لطالما شعرت بالوحدة، وكانت هي الشخص الوحيد الذي يقف بجواري في تلك الأوقات."
توقف خالد للحظة، ونظر بعمق في عيني أحمد، ثم سأل بتردد:
"كنت تشعر بالوحدة؟"
ارتجفت كلمات أحمد حينما همس:
"نعم، يا أبيه. أعلم أنني لست مثل أخوتي؛ لست مميزًا أو مبهرًا أو ملفتًا للأنظار في شيء. لكني وجدت قيمتي مع نور. ومع ذلك، مؤخرًا، بدأت أشعر بالتجاهل.. حاولت أن أفهمها، لكنني لم أستطع."
كان خالد يستمع إلى كل كلمة، وقد بدت عليه علامات الصدمة من عمق الظلام الذي حملته كلمات أحمد. كان مذهولًا من هذا الاعتراف المؤلم الذي أظهر جانبًا من نفسيته لم يكن يتصورها قط. وسط هذا التوتر، قال خالد بصوت هادئ لكنه مثقل بالعاطفة:
"من قال أنك لست مميزًا أو مبهراً؟ نحن.."
لكن أحمد قاطعه فورًا، وصوته يحمل انكسارًا عميقًا:
"أنا أعرف ذلك، أشعر بذلك من أعماق قلبي يا أبيه، أنا لست مثل أحد من إخوتي، جميعهم مميزون وملفتون للأنظار، حتى حسن لست مميزاً مثله في الملاكمة. أنا وحيد، وهذا يؤلم قلبي.. لا أحد يشعر بما أشعر به، لذلك لن يفهم أحد ما أقوله."
رفع يده ببطء، وأشار إلى صدره حيث يخفق قلبه بأسى، وأكمل وهو يخفض رأسه:
"أنت الآن ربما تسخر مني، ربما تقول لنفسك: ما هذا المبرر الغبي؟ لكني ممتن لها، وأردت فقط أن أعبر عن امتناني بصدق. أردت أن أثبت لها أنني بجوارها، كما كانت هي دائمًا بجواري."
نظر إليه خالد مطولًا، كانت الصدمة لا تزال تسيطر عليه، لكنه تمالك نفسه، ثم قال بصوت حازم:
"أنا أحترم مشاعرك يا أحمد، ولا أقلل منها، على العكس، من الجيد أن تكون على دراية بما تشعر به. ولكن، هل ما فعلته سيرفع من قيمتك أمام نور؟ أو الناس؟ أو حتى أمام نفسك؟ هل الدخول في عالم المراهنات غير المشروعة سيجعلك شخصًا مختلفًا؟ لو أخبرت نور بما فعلت، هل تعتقد أنها ستكون سعيدة وهي تراك تودي بنفسك إلى الهاوية لأجلها؟".
عند سماع آخر جملة، انتفض أحمد، ورفع رأسه بسرعة وعيناه تتسعان بذعر:
"أبيه! أرجوك، لا تخبرها!"
رمقه خالد بنظرة عميقة، ثم قال ببطء، وكلماته تقطع الصمت كالسيف:
"إذن، أنت تعرف جيدًا أن ما قمت به مخجل. أن تراهن وتقامر وتضع حياتك على المحك مع مثل هؤلاء الشباب!"
ارتجف كتفا أحمد للحظة، لكنه ظل صامتًا، عيناه ثابتتان بخجل.
أخذ خالد نفسًا عميقًا، ثم تابع بنبرة أكثر هدوءًا، لكنها لا تزال تحمل صرامة الأب القلق:
"هل تعلم لماذا لحقك حسن وحاول إنقاذك؟ أو لماذا أصرت نور على القدوم معنا اليوم؟ هل تدرك معنى بكاء إخوتك جميعًا عندما علموا بما حدث لك؟ أو لماذا نحاول إخفاء الأمر عن ماما؟ ألا تعتقد أن كل تلك الأسئلة إجابتها واحدة؟ إجابة تستطيع استنتاجها بنفسك؟"
رفع أحمد رأسه قليلًا، عينيه تائهتان بين الذنب والتساؤل، لكن خالد لم يمنحه فرصة للهروب من الحقيقة، فأكمل:
"أنا لا أقلل من مشاعرك أبدًا، لكن تصرفاتك كانت بعيدة كل البعد عن المسؤولية. هل تدرك أن الأمر كان يمكن أن يتفاقم؟ أن يجرّنا جميعًا معك إلى دائرة لا تنتهي؟ هل فكرت للحظة كيف سيكون شعور من يحبونك إن حدث لك مكروه؟".
حدّق خالد في أحمد بعينين تومضان بالغضب والخذلان، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد كحد السيف:
"المراهنات؟ بل اسمها الحقيقي القمار، لقد كنت تقامر، يا أحمد."
واصل خالد، وعيناه لم تفارقا وجه أحمد المتوتر:
"هل لديك أدنى فكرة عن خطورة ما فعلت؟ عن المسار الذي كنت على وشك الانجراف إليه؟ القمار ليس مجرد لعبة، إنه فخ، حفرة لا قاع لها، تبتلعك شيئًا فشيئًا حتى لا يتبقى منك شيء."
كان صوت خالد متزنًا، لكن خلف هدوئه كان هناك قلق يغلي. أما أحمد، فقد كان صدره يعلو ويهبط بأنفاس مضطربة، وكأن الكلمات تطبق على صدره، تثقل كاهله أكثر مما تخففه.
فعاد خالد ليقول:
"هذه ليست مجرد غلطة عابرة، هذه كانت مقامرة بحياتك، بمستقبلك، وبثقة كل من يحبك. أنت تعي ذلك جيدًا، أليس كذلك؟"
تبدلت نظرات خالد. عيناه حملتا فجأة مزيجًا من الغضب والخذلان، لكنه كان يحاول جاهدًا ألا يجعل مشاعره تطغى على كلماته. أطلق زفرة طويلة، ثم قال بصوت ثقيل يقطر حزناً وخيبة:
"لقد ارتكبت خطأً كبيرًا جدًا، خطأً من الصعب تمريره."
رفع أحمد رأسه ببطء، لكن نظرته لم تستطع الصمود أمام نظرات خالد الذي أشار إليه بيده، كأنه يجبره على مواجهة الواقع:
"انظر إلى نفسك... إلى ما آلت إليه تصرفاتك. انظر جيدًا، وستعرف كم كنت مخطئًا."
شعر الفتى بمرارة تتصاعد في حلقه، واهتز كتفه وهو يبكي بحرقه قائلاً:
"أنا آسف.. سامحني!"
راقبه خالد للحظات، وهو يسمع شهقاته المتقطعة، يرى كتفيه تهتزان بانفعال لم يعد بإمكانه السيطرة عليه. زفر ببطء، وكأن صدره يضيق بالكلمات، قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه مثقل بالمشاعر:
"من السهل أن أقول إنني سامحتك، ولكن من الصعب أن أشعر بذلك الآن."
كانت الحقيقة مرة، لكنه لم يكن ليخدعه بكلمات فارغة. التردد ظهر على وجهه، عيناه تتأملان الفتى المنهار أمامه، ذلك الطفل الذي رآه يكبر أمام عينيه، والآن يراه محطماً، غارقاً في الندم. شعر بقلبه يلين أمام بكائه الصادق، تنهد، ثم قال بصوت أكثر دفئًا:
"كل ما أتمناه الآن أن تُكمل شفاءك، وتستطيع الوقوف على قدميك مرة أخرى."
أكد بإصرار:
"جميعنا نتمنى ذلك"
كانت دموع أحمد غزيرة، تتساقط بلا توقف وهو يحاول مسحها بأصابعه المرتجفة، لم يستطع خالد تجاهل الألم الذي يراه أمامه. تردد للحظة، ثم لم يطاوعه قلبه أكثر، فنهض واقترب منه، ومد ذراعيه ليحيطه بقوة، قالاً بصوت دافئ:
"أنا هنا، ولن أتركك.. أبداً".
***
نظرت سالي بطرف عينيها إلى خالد، الذي كان يقود السيارة بصمت، عيناه مثبتتان على الطريق، لكن ملامحه القاسية كانت تخفي تحتها توتراً واضحاً. كان يمسك بالمقود بقوة، وكأنه يحاول السيطرة على مشاعره تماماً كما يسيطر على عجلة القيادة. كانا في طريقهما نحو المستشفى حيث ترقد أنيسة.
قالت بصوت هادئ، لكنها لم تخفِ قلقها:
"أعتقد أنك بحاجة إلى التعامل معه بشكل مختلف قليلاً، يبدو أنه حساس، تصرفاته كلها نابعة من عاطفته."
لم يُزح خالد عينيه عن الطريق، لكنه زفر بصوت مسموع، ثم رد بنبرة جمعت بين الصرامة والتعب:
"ولكن في نفس الوقت لا أستطيع التهاون مع المصيبة التي ارتكبها. لو لم يسعفنا القدر ونباهة حسن، لكنا في وضع أصعب من ذلك بكثير."
هزّت سالي رأسها بتفهم، قبل أن تقول بإصرار:
"هذا صحيح، لكن يجب أن نستشير طبيبًا نفسيًا، على الأقل ليساعده في التأهيل بعد الحادث."
لم يرد خالد على الفور، لكنه أومأ برأسه موافقًا، مما شجع سالي على المتابعة:
"لدي صديقة متخصصة، ربما تستطيع مساعدتنا، سأستشيرها."
ظل خالد صامتًا للحظات، كأن أفكاره تتصارع داخله قبل أن يجيب بصوت هادئ لكنه حازم:
"الأهم الآن أن نعثر على الشباب الذين فعلوا هذا بأحمد."
"الشرطة تقوم بعملها، لا داعي للقلق".
نظرت إليه بحذر قبل أن تسأله:
"ماذا ستفعل بالمبلغ الذي عثرنا عليه؟"
قبض خالد على المقود بقوة، وكأن حمل المسؤولية يثقل يديه أيضًا، ثم قال:
"أريد أن أعيده لهؤلاء الشباب، أخشى أن يتعرضوا لأحمد مرة أخرى. المبلغ ليس قليلاً، كما أنني يجب أن أشارك والد زميله في تعويض المبلغ المسروق منه. نحن أولياء الأمور، وعلينا تحمل جزء من العواقب التي تسبب بها الأطفال، هذه مسؤولية."
تأملته سالي بعمق، رأت في عينيه رجلاً لا يحمل هم نفسه فقط، بل هم الجميع. كان خالد بحق رجلاً تثقل كاهله المسؤوليات، لكنه رغم ذلك، لا يتوانى عن تحملها.
همست بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالإعجاب واليقين:
"هذا صحيح."
شعر خالد بنظرات سالي الموجهة إليه، فالتفت نحوها بسرعة خاطفة، قبل أن يعيد عينيه إلى الطريق أمامه. ظل الصمت يسيطر على الأجواء. وبعد دقائق، قطع خالد الصمت أخيرًا، لكن صوته حمل شيئًا من التردد:
"اليوم.. ربما أعيدك بنفسي إلى المنزل..".
التفتت سالي إليه بسرعة، عيناها تترقب تفسيره. ولم يتركها تنتظر طويلًا، فأردف بسرعة، وبنبرة هادئة:
"ولكن قبلها سنذهب إلى مكان أردتِ زيارته."
لمعت عيناها بمزيج من المفاجأة والاهتمام، وكأنها تحاول تخمين ما يقصده، ثم همست بدهشة خفيفة:
"مكان أردتُ زيارته؟ ما هو؟"
تركت كلماتها معلقة للحظات قبل أن تفكر قليلًا، تبحث في ذاكرتها عن المكان الذي قد يكون قصده، ثم تذكرت فجأة، فقالت بصوت لا يخلو من الحماس:
"المكتبة؟".
أومأ خالد برأسه، وظلت تعابيره ثابتة، لم تبح بالكثير مما يدور داخله، لكنه قال بصوت هادئ:
"نعم، سأقابل بعض العمال المسؤولين عن توصيل الكهرباء هناك، وأعتقد أنها فرصة مناسبة لكِ لرؤيتها.. هل هذا مناسب لكِ؟"
لم تتردد سالي لحظة، بل أجابت بسرعة، وعيناها تلمعان بحماس واضح:
"نعم، أنا أنتظر ذلك بشدة."
التفتت نحو النافذة، تتأمل الطريق من النافذة المجاورة لها، وكأنها تحاول رسم صورة المكتبة في ذهنها قبل أن تصل إليها. تدريجيًا، ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة، جميلة، تعكس ما يدور في خلدها
لمحها خالد عبر المرآة الجانبية، ورغم كل ما يشغل باله، لم يستطع منع نفسه من الابتسام هو الآخر، ولو بشكل خافت. لم يكن يدرك تمامًا لماذا راقه رؤيتها سعيدة.
***
نهاية الفصل السابع والثلاثون.
وتُستكمل القصة في الفصل القادم. بإذن الله.
من فضلكم لا تنسوا Vote لو أعجبكم الفصل.
***
أهلاً أعزائي القراء.. عاملين ايه في رمضان، يارب تكونوا مبسوطين.
يارب تكون الفصول جديدة عجباكم. وشكراً على صبركم.
كاتبتكم ءَالَآء
***
* اعذروني على أية أخطاء أكيد أكيد غير مقصودة.
بشكركم جداً على صبركم عليا وانتظروا الأفضل بإذن الله.
لينك الرواية على مدونتي:
https://alaatareks.blogspot.com
تابعوني على:
instagram: alaatareks
TikTok: alaatareks
x: alaatareks
متنسوش تقرأوا قصصي القصيرة الخيالية، متأكدة انها هتعجبكم.